لم يكن الرئيس الشهيد محمد أنور السادات مرجفاً أو متخاذلاً أو متولّياً يوم الزحف.. كان بحق بطلاً للحرب والسلام.. كان عظيماً وهو يتخذ قرار العبور، وكان شامخاً عندما قبِل بوقف إطلاق النار بعد أن تأكد من أن السلاح قد نجح فى مضاعفة رصيد المفاوض المصرى إلى أقصى مداه الاستراتيجى.
لم تكن المعركة مع الدولة الإسرائيلية من أجل مجد شخصى، بل من أجل استعادة الأرض، واسترداد كرامة الوطن الذى كان جريحاً.. كان الغرض هو تقوية عضد المفاوض المصرى الذى كان يسعى لتحقيق السلم والسلام المستدام.
لم يُقتَل «السادات» لأنه وقَّع اتفاق السلام، لكنه قُتل لأنه كتب نهاية المتاجرة بالدماء الفلسطينية!
قُتل لأنه أوقف نهر تحقيق الثروات الحرام من جانب تجار الدم والدين المتأسلمين سياسياً!
لقد كتب الشهيد السادات منذ ذلك الحين الحروف الأولى لنهاية كل هؤلاء «السماسرة» وحتى قرار السلام بين الشقيقة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.. فقرروا حرمانه من استكمال عبارة السلام الخالدة.
وقَّعت مصر اتفاق السلام بقبضة حديدية منتصرة ليست مرتعشة.. قاطع مَن قاطع، وجفا من جفا، ثم عاد الجميع إلى مصر حافظين قيمتها ومقامها.
مرت السنون ولم يتحرك كل مَن زايَد على مصر قيد أنملة فى ملف القضية الفلسطينية، بينما نجحت إسرائيل فى أن ترسخ أقدام دولتها، ولم يدفع الثمن سوى الشعب الفلسطينى، ولم تبرح حركة حماس، ممثل تنظيم الإخوان، دور سمسار القضية الذى يتقاضى عمولته تارةً فى طهران، وأخرى فى إسطنبول، وثالثة فى الدوحة عاصمة قطر التى تُمارس البغاء السياسى الرخيص.
أربعة عقود قد مرت ولم تشهد القضية إلا تعقيداً، ولم تُقِم الفصائل الفلسطينية دولة شكلية أو تستعِد شبر أرض واحداً!
واليوم وبعد أن حصحص الحق المصرى وأصبح ضياءً ساطعاً فى كل المحافل الدولية والإقليمية، هبّت الشقيقة الإمارات وقررت أن تعيد الاستثمار فى السلام، وأن تصوغ عقداً سياسياً جديداً من أجل حقن الدماء.. هبَّت الإمارات لتحقيق دعوة إبراهيم «أبو الأنبياء وأبو الديانات».. خرجت الإمارات من أجل تحطيم أصنام الحرب الوهمية.. خرجت من أجل إنقاذ أجيال فلسطينية تعرضت لكل صنوف الخداع والتزييف والمزايدة والتجارة التى تتزعمها أنقرة والدوحة وطهران وبعض الفصائل الفلسطينية.
دعوة السلام الإماراتية أصلها ثابت فى ملفات الدبلوماسية المصرية، لكنَّ المرجفين قد عادوا كما لو كان فى جعبتهم بديل عن خيار السلام. فليتقدموا الصفوف، وليعرضوا بضاعتهم أمام الشعوب، إن كانوا يمتلكون بضاعة.
من قبل كانت «مصر»، واليوم تستكمل «الإمارات» مسيرة اليقين.. ليس تحركاً أحادياً فى طريق الدبلوماسية الإماراتية بل من أجل تسليم ملف القضية الفلسطينية للفلسطينيين، بعد أن اختطفته جماعات الإسلام السياسى التى قدمت الدماء على البناء، وبعد أن اختطفته تيارات اليسار من أصحاب الخبرات النظرية والتجارب المكتبية دون تقديم أى مشروع لدولة وطنية لا فى فلسطين ولا فى غيرها.
اليوم تستكمل الإمارات مسيرة السلام الإنسانى من أجل إيقاف المهزلة التاريخية التى حوَّلت القضية إلى فقرة مبتذلة فى حلبة سيرك الإسلام السياسى.