على مدى عقود ظلَّ الصراع العربى - الإسرائيلى محوراً على طاولة كل الاجتماعات المحلية والإقليمية والدولية.
ماذا كانت النتيجة؟ عداء ظاهرى يضر أكثر مما ينفع.
القاهرة صاحبة النصيب الأكبر فى المضار استردت أرضها وكرامتها بالحرب والمفاوضات والقضاء والسلام، فيما الذين طنطنوا بالشعارات الجوفاء والمزايدة على القرار المصرى -كما هو الحال الآن مع الخطوة الإماراتية- لم يحصلوا على شىء سوى دغدغة مشاعر البسطاء؛ بالقومية تارةً، وبالدين تارات!
أين هو معسكر المقاومة؟ وهل انتصر فى معركة واحدة مع إسرائيل؟
الإجابة لا.. بل هم مِن فشلٍ إلى فشل ومِن سقوطٍ إلى سحق!
لم يعد هناك خيار سوى الخروج من دائرة الصراع والحرب، التى عشنا رهائن لها سنوات طويلة.
اختطَّت مصر والإمارات طريق السلام بديلاً عن طريق الكذب والتدليس والتربح والرقص على الدم الفلسطينى.
بلغة التاريخ، سيُعاد تدوير اتهامات قديمة جديدة تجاه الإمارات، كما حدث ويحدث مع مصر، باعتبارها خائنة للقضية الفلسطينية، لكن الحقيقة التى يجب أن يعلمها الجميع أن زمن الشعارات ولَّى إلى غير رجعة.
يقيناً، فإن الإمارات لن تتخلى عن قضية العرب الأولى. هناك قواعد عربية ثابتة وراسخة فى التعامل العربى مع القضية الفلسطينية.
ستأتى الاتهامات من معسكر الإرهاب والداعمين له. ستأتى من معسكر تاجَر بالقضية الفلسطينية واستباح حُرمتها سنوات طويلة، كى يصل للحكم فى بلاده.
الأتراك والقطريون لم يطلق واحد فيهم طلقة على إسرائيل، ولم يقف واحد منهم موقف نِدٍّ فى أى يوم من الأيام ضد تل أبيب، وكل ما يفعلونه هو مطالبة غيرهم بالمقاومة صباحاً، فيما تضاجعهم إسرائيل مساءً!
مرة أخرى، زمن شعارات الماضى ولَّى إلى غير رجعة. لن تُجدى شعارات الإخوان المستساغة فى الهجوم على الإمارات.
عملياً، يوفر الاتفاق الإماراتى - الإسرائيلى فرصة لإسرائيل والفلسطينيين لاستئناف المفاوضات لإنهاء الصراع. هذا ما يجب أن نقف لنبنى عليه.
الاتفاق يضمن وقف مخططات الدولة العبرية لضم الأراضى الفلسطينية فى غور الأردن ومنطقة شمال البحر الميت.
الاتفاق مع إسرائيل هو فرصة للفلسطينيين لإعادة توحيد فصائلهم المتصارعة. قد تكون العودة إلى طاولة المفاوضات صعبة، لكنها ممكنة.
الكرة الآن فى ملعب السلطة الفلسطينية، التى وقعت فى فخ المزايدة على الموقف الإماراتى حتى تعدت القول إلى الإساءة والتخوين.
عليها أن تتدارك أخطاء الماضى، وألا تضع نفسها رهينة لخيارات صفرية ثبت فشلها.
الاتفاق يعكس تحولاً عميقاً يجب أن يُستغل. السلام بالتأكيد أفضل من الضرر الناجم عن الصراع، هذا لمن يريد الحقيقة.
نحن أمام اتفاقية توفر إطاراً جديداً للضغط على إسرائيل لتغيير مواقفها وسياستها تجاه القضية الفلسطينية.
بلغة المصالح، السلام وليس الحرب هو الطريقة الأكثر فعَّالية للدول لتحقيق مصالحها.
مثل هذه المواقف ستوفر نفوذاً فعالاً للفلسطينيين على طاولة أى مفاوضات.
الاتفاق لا يغير موقف الإمارات، بل على العكس، يخلق إطاراً جديداً للضغط على إسرائيل لتغيير مواقفها وسياستها، ويواجهها بحقيقة أن توسيع علاقاتها مع العرب والمسلمين يجلب لها فائدة أكبر من استمرار الاحتلال. ما أقدمت عليه الإمارات ليس بدعة. نحن أمام نموذج لاتفاقية وقَّعناها هنا فى مصر ووقعها الفلسطينيون والأردنيون عامَى 1993 و1994، مهّدت لكل دولة حقوقاً كانت مغتصبة.
بعد زوال المفاجأة ستصبح مزايا هذه الاتفاقية أكثر وضوحاً.
نحن أمام تاريخ جديد، تكتبه الإمارات، التى ستعقبها دول عربية أخرى، تتخذ نفس المنهج.
يذكرنى موقف ما يسمى زوراً معسكر المقاومة من هذا الاتفاق بقصة حارس «نفق المهدى المنتظر» الذى ينتظر الناس منه خروج «المهدى»، عندما سأله البعض: كيف ستستقبل «المهدى» عند خروجه العظيم؟ فقال: «لو خرج سأقتله»!
هكذا تفعل الفصائل الفلسطينية والمزايدون فى تعاملهم مع القضية الفلسطينية التى تعد بالنسبة لهم «البقرة الحلوب».. لا مصلحة لهم فى الحل لأنهم مستفيدون، كما لن يستفيد حارس «المهدى» من خروجه المنتظر!