خبير شئون التسليح فى «حزب الخضر» الألمانى «توبايس ليندنبر»، خرج مؤخراً ليطرح عديداً من الأسئلة المهمة، فى دعوته إلى كشف ملابسات ما تحدثت عنه التقارير الصادرة عن أكثر من جهة استقصائية، كشفت أن هناك (11 رحلة جوية) جرى تسييرها من تركيا إلى ليبيا استخدمت فيها طائرات عسكرية، تحمل شحنات أسلحة وذخائر وعتاد حربى مهم. فضلاً عن استخدام أنقرة أيضاً طائرات من طراز «إيرباص» لذات الغرض فى الفترة الزمنية نفسها، التى رصدتها التقارير وحددتها بالأسابيع القليلة الماضية من شهر أغسطس. هذا الأمر استدعى نقاشاً موسعاً فى أكثر من جلسة عقدت بالبرلمان الألمانى، شدد خلالها النائب «ليندنبر» على موقف حزبه بأنه «لا يمكن أن تساعد شركة أوروبية تركيا، فى كسر حظر الأسلحة المفروض على ليبيا». ساندت هذا الموقف لحزب الخضر النائبة البرلمانية «سيفيم دادلين» عن حزب «اليسار»، حيث طلبت من بلادها إنهاء التعاون الأوروبى فى مشاريع التسلح فى برنامج «أوكار».
الجهات الاستقصائية التى شاركت فى إعداد هذه التقارير، هى شبكة (ARD) الألمانية ومجلة «شتيرن» وإذاعة بافاريا، كما شارك أيضاً مركز الاستقصاء الهولندى «لايتهاوس ريبورتس» فضلاً عن شبكة (ARTE) التليفزيونية الألمانية الفرنسية. وهى جميعها من المنصات المعتبرة على المستوى الأوروبى، حيث توسعت كل منها على نحو كبير فى النشر خلال الفترة الماضية، بعد أن وضعوا أيديهم على العديد من الوثائق، التى تخص رحلات الجو التركية التى اتجهت إلى الغرب الليبى، وهو ما ساهم بشكل بارز فى تعديل الموقف الأوروبى الذى ظل متردداً وخجولاً لشهور، فيما يخص عمليات نقل المرتزقة إلى ليبيا التى جرت منذ بداية العام 2020، ليتحول على الأقل فيما بعد تداول تلك التقارير، إلى بحث دول الاتحاد الأوروبى خلال اجتماعات غير رسمية عقدها وزراء الخارجية فى العاصمة الألمانية برلين، إلى فرض عقوبات على تركيا حال استمرارها فى انتهاك القوانين الدولية.
معلومات الرحلات الجوية التركية، استخدمها الجناح المتشدد ضد أنقرة من وزراء خارجية الاتحاد فيما بدأوا يتداولونه ضد أنقرة، مما استدعى إفادة رسمية قدمها المتحدث باسم شركة «إيرباص» فى مدينة ميونخ الألمانية، لفت فيها إلى أن الشركة فى الأحوال المشابهة تعد غير مسئولة عن المواد التى تنقلها دولة ما إلى أخرى على متن طائراتها. فالشركة حاولت أن تتنصل باعتبار تركيا عضواً بحلف شمال الأطلسى «الناتو»، وهى من الدول المؤسسة لبرنامج (A 400 M) الذى بدأ منذ العام 2003 بشراكة مع العديد من الدول الأوروبية منها فرنسا وألمانيا وإسبانيا، والأخيرة هى التى يجرى على أراضيها التركيب النهائى لهذه الطرازات من الطائرات التى يشملها المشروع. ومما ورد بالتقارير الاستقصائية فضلاً عن تأكيدها لما جاء بإفادة شركة «إيرباص»، أن تركيا منذ البدء فى المشروع وحتى الآن تسلمت (9 طائرات) وأوشكت على تسلم الطائرة العاشرة، فى إطار عمليات قانونية لا تضع الشركة تحت نطاق المساءلة، لكنها تضع أنقرة وحدها فى مرمى الاستهداف باعتبار التشغيل هو الذى مثل الخرق، ففى حال إثباته يمكن خضوعها لطائلة من العقوبات الدولية على أثره.
أنقرة فعلياً تسابق الزمن؛ من أجل استثمار هذه الفترة الحرجة ما بين الالتزام بوقف إطلاق النار ما بين الأطراف، وبين الوصول أو المضى قدماً تجاه مسار تسوية يحظى باهتمام ورقابة دولية، قد يدفع المعادلة بالغرب الليبى إلى خلاف ما تتمتع به أنقرة اليوم. لذلك ظلت طوال الشهور الماضية تكثف عمليات الشحن والإرسال للأسلحة التى تخطط بأنها ستحتاجها فى المرحلة اللاحقة، حيث أرسلت تركيا تقنيات عسكرية جديدة إلى قواعدها العسكرية بالغرب الليبى، فى محاولة لخلق التفوق فى المعركة وقلب موازين القوى من وجهة نظرها. حيث تم تركيب منظومات «دفاع جوى» متطورة وصواريخ «أرض أرض» حديثة الصنع، فضلاً عن عدد كبير من أجهزة التشويش وقذائف «الهاون» من العيار الثقيل تركية الصنع، بالإضافة إلى مجموعات متنوعة من الطائرات المسيرة القتالية. كل الدلائل تشير إلى أن «قاعدة الوطية» العسكرية التى تقع فى الجنوب الغربى للعاصمة طرابلس، تعد هى المستقر الأخير للأسلحة والذخائر ومؤخراً لأسراب جديدة متنوعة من «الطائرات المسيرة»، والأسلحة الحرارية والقذائف الصاروخية المحمولة، فضلاً عن وصول طائرات مسيرة حديثة تنفجر عند الارتطام، والتى ظلت لسنوات مضت تستخدم قاعدة «معيتيقة» فى تخزينها وإدارتها عبر غرفة العمليات المشكلة هناك، حيث يقبع فيها حتى الآن المستشارون العسكريون الأتراك الذين يتولون عملية إدارة الجهد العسكرى. ومنذ الإعلان المصرى عن «الخطوط الحمراء» فى نهاية يونيو الماضى، والعمل العسكرى الذى كانت القوات التركية تعتزم استكماله باتجاه مدينة «سرت» قد توقف إلى حين، وبدأت الأطراف فى الغرب الليبى فى الاستجابة للجهد الدولى الذى دعم تلك الرؤى المصرية، حيث بدا لقيادات الغرب الليبى أن الأمر على نحو الهوى التركى غير ذى جدوى على الأقل فى الوقت الراهن.
لذلك وجدت تركيا أن هذا الوقت الفاصل، والتهدئة التى جرى فرضها وتلجيم الاندفاع العسكرى الذى حشدت «المرتزقة» من أجل تنفيذه، يحتاج إلى تغيير تكتيكى فى إدارة تلك الفترة، وهو ما دفع المشهد لتكثيف عمليات النقل العسكرى على النحو الذى جاء ذكره بالتقارير التى صدرت مؤخراً. وانتقلت عمليات النقل لتستخدم الرحلات الجوية بعدما بدأت مياه البحر المتوسط تشهد قدراً من الرقابة والتدقيق بأفضل مما كان عليه الحال وقت عمليات الإبحار التركية بالمرتزقة والميليشيات فى شهور مارس وأبريل ومايو ويونيو، لاسيما وهى تعد فترة التدفق البحرى الكبرى إلى سواحل ليبيا. اليوم وقد أصبحت غير قابلة لتدفق الأسلحة بتلك الصورة، استحدثت خطوط الطيران التى ما زالت بعيدة عن آلية حقيقية للمراقبة، إلا أن تظهر فى تحقيقات كاشفة أو يظهر لها رادع وطنى من داخل ليبيا، يحمى مستقبل الداخل من شحنات الموت التى لم تنقطع.