وقّعت مصر مع الجانب الإسرائيلى معاهدة السلام فى مارس 1979، وبالرغم من مرور أربعين عاماً على توقيع المعاهدة التى كان بها نصوص تتعلق بحل المشكلة الفلسطينية خلال عشر سنوات وعودة الأرض المحتلة منذ 67 وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، إلا أن إسرائيل لم تنفذ أياً من البنود الخاصة بحل المشكلة الفلسطينية، وظلت على سياستها فى ضم الأرض المحتلة والجولان والإعلان عن ضم مناطق من غور الأردن والأراضى التى بها مستعمرات فى أرض فلسطين.
كنت مرافقاً للسادات فى توقيع المعاهدة، وسمعت خطاب بيجن فى الاجتماع الذى تم فى البيت الأبيض لتوقيع مراسم المعاهدة، وألقى السادات خطبة مليئة بالنوايا الطيبة وتمجيد السلام وحل مشكلات الفلسطينيين، أما بيجن اللعين فكان خطابه سيئاً للغاية، وردد فيه أن أرض فلسطين كلها هى أرض اليهود، وشعرت أن هذا يدل على عدم التزام إسرائيل بأى عهود جاءت فى المعاهدة خاصة بالشأن الفلسطينى، وعندما قررنا فى نقابة الأطباء فى اليوم التالى لتوقيع المعاهدة أنه لا تطبيع بين نقابة الأطباء والجانب الإسرائيلى إلا بعد إنهاء المشكلة الفلسطينية وحصول الشعب الفلسطينى على حقوقه القانونية والدولية والإنسانية فى دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين وإعادتهم إلى أرضهم المغتصبة، وافقتنا بعد ذلك نقابة الصحفيين ونقابة المحامين وباقى النقابات المهنية، وأعلنا أننا لن نستقبل أى مسئول إسرائيلى، وعندما عاتبنا الرئيس السادات: لماذا لا نطبع مع اليهود؟ أعلنت أن بيننا وبين اليهود بحراً من العداء والكراهية، وهم أشد الناس عداوة للمسلمين، وأن نياتهم المعادية للحقوق الفلسطينية لم يتم تغييرها، وأننا أكدنا أن التطبيع الكامل لن يتم إلا بعد إنهاء المشكلة الفلسطينية التى هى أساس العداء والحروب المتتالية. ويبدو أن الرئيس اقتنع بوجهة النظر، وعندما نشرت إحدى الصحف الإنجليزية أن نقابة الأطباء ستحاسب وزير الصحة إذا هو سافر إلى إسرائيل أو قبل الدعوة بالزيارة، أمر الرئيس مبارك وزير الصحة بالسفر استجابة إلى دعوة الحكومة الإسرائيلية وأن يكسر حدة نقابة الأطباء فى تصرفها، وقبلنا سفر وكيل الوزارة بدلاً من الوزير. وعندما طلب وزير الصحة الإسرائيلى زيارة مصر رداً على الزيارة التى قام بها المسئول المصرى منعنا وزير الصحة الإسرائيلى من زيارة أى مستشفى أو معهد طبى، واكتفى ببعض المنشآت الصحية والدوائية، وفى زيارته الأخيرة للرئيس مبارك اشتكى من برود الاستقبال وعدم تمكنه من زيارة المستشفيات والمعاهد الطبية، فرد عليه الرئيس: هذا بسبب تصرفكم وعدم إبداء النوايا بحل المشكلة الفلسطينية وتحقيق طموحات الشعب الفلسطينى العادلة والشرعية.
هذه هى الرسالة لشعب الإمارات نظراً لظروف الإمارات الأمنية والتهديد الإيرانى المستمر فى عودة العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل، على الشعب الإماراتى ومؤسسات المجتمع المدنى عدم الإسراع فى التطبيع، وربط ذلك بمدى التزام إسرائيل بعدم ضم أى مناطق من الأرض الفلسطينية وعدم الإصرار على منع قيام الدولة الفلسطينية، حتى تشعر إسرائيل أنه لا أمل فى التطبيع الكامل وأن تكون جزءاً من شعوب المنطقة، وأن تبقى مشكلة التطبيع هى الرسالة الوحيدة التى يملكها الشعب العربى فى مواجهة التسلط والتنطع ومخالفة المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة. وفّق الله دولة الإمارات وشعب الإمارات لما فيه الخير للأمة العربية والحفاظ على مقدساتها، ولتأخذ عبرة بما تم فى مصر، وليس صحيحاً ما نُشر حول الإسراع فى التطبيع الاقتصادى والسياسى والثقافى، ونحن فى مصر التطبيع الوحيد كان فى مجال الزراعة، ولا أظن أن مصر استفادت أى شىء، بالعكس أدعى أن التطبيع الزراعى أصابنا بأمراض زراعية مثل إيدز النخيل، وحصلنا على بعض البذور المعدلة وراثياً، والتى كانت غريبة على الذوق المصرى، وأنا أتحدث عن خبرتى الشخصية.
وأنا متأكد أنه بعد أن تحقق إسرائيل أهدافها من توقيع معاهدة السلام مقابل إيقاف نوايا إسرائيل بضم المزيد من الأرض المحتلة سترجع فى ذلك، واستخدمت عبارة تعليق مشروع ضم الأرض المحتلة حتى تتراجع فى ذلك، ولم تتحدث عن إلغاء المشروع، وسواء بقى نتنياهو فى الحكم أو استبدل بآخرين، وبعد سنوات قليلة، سيعود الحديث عن الضم، وستكون الولايات المتحدة فى صف إسرائيل وتتصدى لأى قرارات دولية غير ذلك.