«مصطفى العدوى» واحد من شيوخ التيار السلفى الوهابى، خرج الفترة الأخيرة ينبز ويسخر من المعتقد الذى عليه الأزهر وجماهير الأمة، وهو فى منهجه هذا يسير على منهج ابن تيمية وابن عبدالوهاب، ويجعلهما رمانة الميزان، فمن خالفهما فهو ضال مبتدع.
العصور الثلاثة الأولى فى صدر الإسلام لم تشهد ظهور مذهب فى قلب الأمة اسمه المذهب السلفى له مقوماته التى تميزه عن سائر المسلمين، إنما كانت ثمة مزية واحدة لا تدانيها ولا تنافسها أى مزية، هى مزية الاصطباغ عن صدق بهذا الدين، ثم فهمه والعمل به، فكل من تميز بهذه المزية كان عضواً فى جماعة الأمة الإسلامية، ومن هنا يتجلى الفرق بين التمذهب بمذهب يُسمى اليوم بالسلفية، وبين اتّباع ذلك الرعيل الأول، فالتمذهب بالسلفية على النحو الموجود حالياً شىء طارئ، لأن السلفية مرحلة زمنية مباركة، وليست مذهباً إسلامياً يحصر وجه الحق فى مجموعة من الآراء والملبس، هكذا يقول الدكتور البوطى.
والحقيقة أن ما قاله «العدوى» سبق أن قال به جدوده ممن تبنّوا هذا الفكر فى مصر، ويحدثنا المؤرخ «عبدالرحمن الجبرتى» أنه فى سنة 1759م جلس أحد الوعاظ فى جامع المؤيد بالقاهرة، ووصف ما يفعله المصريون من زيارة الأضرحة بالكفر، ولما انتهى الواعظ من موعظته خرج أتباعه بالأسلحة يقولون أين الأولياء؟ فهرب الناس من أمامهم، وذهبوا إلى مشايخ الأزهر ليستفتوهم فى الأمر، فوصف علماء الأزهر ما قاله الواعظ بالجريمة، وأنه يجب على الحاكم زجرهم، فرجع الواعظ، وقال: أيها الناس إن علماء بلدكم أفتوا بخلاف ما ذكرت لكم، واجتمع له فى ذلك زيادة عن ألف واحد من العامة، وكوَّن الواعظُ ومن معه عصبة من الناس، وصفهم الجبرتى بـ«الفتنة».
المنهج نفسه، والنتيجة نفسها، والأثر نفسه يترتب على كلام «العدوى» وتياره، حيث نشأ من هذا المنهج تيار السلفية الجهادية، الذى مارس العنف المسلح، إذ كان على المنهج السلفى الوهابى، ومع ذلك ترى بعض دعاة السلفية يعلن التبرؤ من السلفية الجهادية، مع أنهم المنبع الذى تولّدت منه السلفية الجهادية!!.
وإذا كان الكثيرون من الأزهريين يلتزمون الصمت المريب أمام هذه الفتن فإن الأزهر طوال تاريخه لم يقف مكتوف اليد أمام هؤلاء الخوارج، فقالت دار الإفتاء فى 1940م: «إن كتب التيار الوهابى توقظ فتنة نائمة تفرّق كلمة المسلمين»، وقال العلَّامة بخيت المطيعى: «الغرض من الرد على هذا التيار ألا يقع المسلمون فى افتراق ونزاع»، وكتب العلَّامة الدجوى: «إن الوهابية صيَّروا الإسلام ناراً مضرمة على وجه الأرض»، واليوم أنصار هذا التيار يخدعون الناس بكلمة ثناء على الأزهر ورموزه، وهم فى الحقيقة يضللون الأزهر، ومنهجهم طافح بالتكفير والتبديع.
إذاً فكلام «العدوى» وغيره من شيوخ السلفية المعاصرة (الوهابية) ليس جديداً، بل هو المنهج المتمكن من نفس كل أنصار هذا التيار، من التزمّت والتشدّد وتبديع الأمة وإقحام مسائل الفقه والفروع فى العقيدة والأصول، فشكّكوا الشباب فى دينهم، وتجرّأ العامة على دين الله، تحت دعوى العمل بالدليل، ونُزِعت مهابةُ العلماء الكبار من النفوس تحت دعوى أن كلاً يُؤخذُ منه ويُرد.
والردّ الحقيقى على تلك التيارات يكون بالتمسك بمنهج جماهير علماء الأمة (أشعرية المعتقد - احترام المذهبية الفقهية - التصوف الصافى)، ودراسة هذه التيارات دراسة مؤصلة والتعرّف على معالمها وسماتها وجذورها، حتى يخرج أجيال تُصلح ما تم إفساده على أيديهم، لا سيما أن سبب انتشار الإلحاد هو الاعتقاد الخاطئ بأن التيارات السلفية الوهابية وتيارات الإسلام السياسى تُعبِّرُ عن الإسلام.