دينا أبوالمجد تكتب: مخلفات الدول وجبة على مائدة المصريين
دينا أبو المجد
سبق وقد أشرت فى مقالى السابق إلى أن الفوضى هى التى تحكم صناعة الدواجن فى مصر وأن مصير استثمارات تتجاوز 90 مليار جنيه وأكثر من 5 ملايين عامل فى مهب الريح وأن الآفة المزمنة التى تعانى منها الصناعة هى القرارات العشوائية والانتقائية التى تهدف إلى مراعاة مصلحة فئة معينة على حساب مصالح جميع العاملين بالصناعة بل على حساب النهوض بالصناعة ذاتها.
وقد طالنى نصيب لا بأس به من الانتقادات والاتهامات بل وبعض المخاصمات مع من يختلفون معى فى الرأى من أنصار نظرية «كله تمام يا فندم» وأن الصناعة بخير وفى سبيلها للتعافى والنهوض بفضل الخطط والاستراتيجيات التى وضعتها الجهات المسئولة عن إدارة وتنظيم عمل الصناعة، لكن واقع الحال، بعيداً عن التصريحات الإعلامية العنترية والمطبلاتية، هو أن صناعة الدواجن تعانى من خسائر فادحة تطال كل عناصر الصناعة وعلى رأسهم المربّون وحتى الصناعات المرتبطة بها قد طالها ما طال القطاع، إلى حد أن وصلت خسائر المربين فقط حوالى 500 مليون جنيه حتى الآن ولِمَ لا وأسعار الدواجن بالمزارع 16 جنيهاً فى حين أن تكلفة إنتاجها 22 جنيهاً بمعدل خسارة يومية 6 جنيهات للفرخة الواحدة وقد تزداد هذه الخسارة إذا ما لا قدر الله تعرضت المزارع للنفوق بفعل عوامل خارجية كالتقلبات الجوية أو انتشار الأمراض والأوبئة أو حتى زيادة أسعار مدخلات الإنتاج نتيجة استيراد أغلب مكوناتها.
وشاء القدر أن أنصار نظرية «كله تمام يا فندم» يولولون اليوم فى الصحافة والإعلام ويناشدون السيد الرئيس بالتدخل لحماية صناعة الدواجن وإنقاذها من الانهيار ومنددين بالموافقة الوزارية رقم 10069 لاستيراد أجزاء الدواجن من الخارج لصالح شركة بعينها، متفضلين بذكر ما تنكروا له سابقاً من تعرض صناعة الدواجن بجميع عناصرها لخسائر فادحة مشكورين واصفين هذا القرار بالمتخبط والعشوائى وغير المدروس ومن شأنه تدمير الصناعة وتفاقم خسائر المستثمرين وتشريد العمالة.
وقد قررت أن أنأى بنفسى عن الدخول فى الدائرة المفرغة التى نحن بصددها الآن والتى لا جدوى من الدخول فيها بالحديث عمن هى الشركة التى صدرت لها الموافقة باستيراد أجزاء الدواجن وما هى الجهة التى تتبع لها وما مدى نفوذها حتى تقوم الجهات المعنية بمخالفة قرار مجلس الوزراء رقم 222 لسنة 2019 بمنع استيراد أجزاء الدواجن حماية للصناعة الوطنية بل وتولت وزارة الزراعة مسئولية الدفاع عنها والتأكيد على صحة موقف الشركة المستوردة بحجة أن الكمية التى تم السماح باستيرادها قليلة وتبلغ 2000 طن أجزاء دواجن سوف يعاد تصنيعها وتصديرها.
لكن دفاع وزارة الزراعة عن هذا القرار قد أثار حفيظتى لمناقشة هذا الأمر من وجه آخر، ألا وهو:
1- هل قرار السماح باستيراد زبالة الدواجن كما يطلق عليها فى أوروبا وأمريكا والبرازيل فى صالح صناعة الدواجن وهل كانت هناك ضرورة ملحة لصدور مثل هذا القرار؟
الإجابة قطعاً لا، لأنه ليس فى صالح الصناعة أن يثقل كاهلها بمزيد من القرارات العشوائية التى تفاقم خسائرها وتزيد من معاناتها وتهدد استمرارها بخروج استثمارات منها وتشريد الآلاف من العاملين بها، صناعة الدواجن تعتمد فى المقام الأول على المزارع المنتشرة فى جميع محافظات مصر وخاصة محافظة الدقهلية والقليوبية والشرقية والفيوم والصعيد والظهير الصحراوى لبعض المحافظات وتقوم عليها صناعات أخرى مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً كمصانع الأعلاف وإضافتها من البريمكسات والمنتشرة فى المدن الصناعية الجديدة وبعض المحافظات خاصة الدقهلية وأيضاً مصانع اللقاحات المحلية منها والمستوردة وكلها صناعات كثيفة العمالة الماهرة وبها نخبة من خيرة شبابنا المؤهلين علمياً وتدريبياً فى داخل مصر وخارجها، وقرار مثل هذا يضرب الصناعة فى مقتل ويصيبها بركود أكثر مما هو الآن لأن قطاع الدواجن أصبح يحقق الاكتفاء الذاتى من البروتين رخيص الثمن وبات لديه فائض كافٍ للتصدير ونتيجة لزيادة المعروض فى السوق وقلة الطلب انخفضت الأسعار إلى حد أن أصبح سعر التكلفة أكبر من سعر البيع، ومن هذا المنطلق كان لزاماً على وزارة الزراعة والاتحاد العام لمنتجى الدواجن أن يتدخلا لحماية الصناعة ووقف نزيف خسائرها بوضع خطط وتصورات من شأنها أن تحقق الموازنة بين عملية العرض والطلب وتشجيع المزارع والشركات على تصدير فائض إنتاجها واتخاذ ما يلزم من إجراءات فى سبيل تحقيق ذلك.
أما تعلل المدافعين عن قرار الاستيراد بأن الكمية المستوردة قليلة وسوف يعاد تصنيعها لتصديرها مرة أخرى فأقول لهم ليتكم صمتم، فعذر أقبح من ذنب لأن حجم الكمية ليس المشكلة بل بيت القصيد أن الجهة المنوط بها تنظيم وإدارة صناعة الدواجن والعمل على حمايتها والنهوض بها هى من تدافع عن قرار أجمع كل المستثمرين وخبراء الصناعة والعاملين بها بأنه ضد الصناعة ويهدف لتغليب مصلحة شركة بعينها على مصلحة الصناعة ككل، بل ومندهشون من مباركتها لتنفيذ هذا القرار بالرغم من أنه يحمل فى طيه مخالفة صريحة لقرار سابق صادر من مجلس الوزراء يهدف لحماية الصناعة بمنع استيراد أجزاء الدواجن من الخارج، ويرون أنه كان من الأجدى أن تقوم الوزارة بحماية الصناعة والوقوف ضد صدور هذا القرار، وإن كانت هناك ضرورة ملحة لا يراها ولا يعلم بها سوى الجهة التى أصدرته والمباركين له والشركة المستوردة لأجزاء الدواجن فكان لزاماً عليها تغليب مصلحة الشركات الوطنية والصناعة المحلية على المصلحة الخاصة بأن يكون الاستيراد من السوق المحلية دعماً لمنتجى الدواجن والصناعات المرتبطة بها ويستوى فى ذلك حجم الكمية المراد استيرادها صغيرة كانت أم كبيرة ففائض الإنتاج المحلى يغطى حجم الطلبيات أياً كان وهو ما يساعد بصورة أساسية شركات الدواجن والمربين على الحد من نزيف الخسائر المستمر بشكل يومى بفتح أسواق خارجية لهم لتصدير فائض منتجاتهم وهو ما يعود بالنفع على جميع عناصر صناعة الدواجن بصفة عامة وعلى الدولة بصفة خاصة بتوفير العملة الصعبة التى تحتاجها الدولة فى التنمية.
أما بخصوص الحجة التى يسوقها المؤيدون لهذا القرار بأن أجزاء الدواجن المستوردة زهيدة الثمن مقارنة بمثيلاتها من المنتج المحلى فهى مردود عليها بأن أجزاء الدواجن تسمى فى أوروبا وأمريكا والبرازيل بمخلفات الدواجن «زبالة الدواجن» لكونها تقدم كعلف للحيوانات لعدم صلاحيتها للاستخدام الآدمى فهى موطن للسالمونيلا القاتلة حيث يتم جمعها من مختلف المجازر ويتم معالجتها كيميائياً بمادة كلوريد الصوديوم وتعتبر بيئة خصبة للبكتيريا المنتشرة فى جميع أنحاء العالم بين الحيوانات والإنسان، ناهيك عن قتلها صعقاً بالكهرباء، أما المصنوعة محلياً فيتم ذبحها وفقاً للشريعة وتخضع لرقابة صارمة من مديريات الطب البيطرى وجميع الأجهزة المعنية بالدولة بسلامة وصحة الإنسان، فهل يعقل أن تغامر وزارة الزراعة وهيئة سلامة الغذاء بالموافقة على استيراد مخلفات دواجن بما قد تحويه من أمراض وأوبئة تمثل خطورة على الصحة العامة حتى وإن سلمنا بفرضية إعادة تصنيعها وتصديرها كما يسوّقون، فالنفس البشرية واحدة كما قال الله عنها «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً»، وعن أى تصدير يتحدثون وقد تسربت هذه المخلفات للسوق وأصبحت تباع فى سيارات اللحوم المجمدة بميدان الجيزة ورمسيس والسيدة عائشة وأصبحت زبالة الدواجن وجبة على مائدة المصريين.
2- السؤال الثانى هل الدولة فى غنى عن صناعة كثيفة العمالة واستثمارات تتجاوز 90 مليار جنيه ترتبط بها صناعات أخرى وتدر دخلاً بالملايين للخزانة العامة من عوائد الضرائب بخلاف مساهمتها فى تحقيق الأمن الغذائى بتوفير البروتين رخيص الثمن للشعب المصرى؟ قطعاً لا فالدولة فى أشد الحاجة لضخ الاستثمارات فى مختلف المجالات وخاصة ما يتعلق بالأمن الغذائى.
فى النهاية، فإن صناعة الدواجن والصناعات المرتبطة بها لا تحتاج لشخص بمواصفات سوبرمان لإدارتها لنظل أعواماً متتالية نطالب بحل مشكلاتها والتى تزداد تعقيداً يوماً بعد آخر؛ فقط تحتاج لشخص يؤمن بأهميتها ويعلم مشكلاتها جيداً وكيفية حلها، والأهم من ذلك يحتاج لإدارة دولة تتدخل بكامل إمكانياتها الجبارة لحماية الصناعة وإنقاذها من الانهيار، وهذا يتسق تماماً مع رؤية الرئيس السيسى بالعمل على حماية الصناعة الوطنية ومنها صناعة الدواجن التى هى عصب الأمن الغذائى والقومى معاً.