مصر والحمد لله من الدول التى نجحت فى مقاومة وباء الكورونا اللعين، وذلك بفضل جهود وزارة الصحة واتباع الإجراءات الوقائية على مستوى العمل والمواصلات والتعليم، وبفضل رعاية وجهاد الجيش الأبيض، وعلى رأسه الأطباء، الذين استشهد منهم عدد غير قليل، رحمهم الله وبارك جهودهم ورعى أسرهم.
هذا الأمر يذكرنى أن أنبه المواطنين أننا نعانى من وباء آخر ضحاياه أكثر من الكورونا بكثير وينقص قدرة المواطن على العمل والإنتاج ونحن نحتاج جهوده فى التنمية، خصوصاً طبقة المثقفين والأدباء والعلماء والفنانين وشباب مصر وفلاحى وعمال الوطن وهؤلاء هم عدة المستقبل.
مع الأسف الشديد لا تبذل الدولة من الجهد ولا نصف ما تبذله فى الوقاية من الكورونا فى مكافحة وباء التدخين، الذى يحصد سنوياً ما يقرب من مليون مواطن، ويعتبر من أهم أسباب الوفاة المبكرة.
أحد أقربائى شاب يافع ملىء بالحركة والنشاط ولكنه مريض بالسكر، ويدخن مع الأسف الشديد، وعندما أراه أذكره أنه سيواجه كارثة صحية فى وقت قريب، وأذكر له أنه لا يوجد مريض بالسكر يدخن إلا ويتوقع كارثة صحية قد تؤدى إلى الوفاة فى سن مبكرة أو العجز عن العمل، وأذكر المواطنين أن جمال عبدالناصر، المريض بالسكر، قد فقدناه فى سن مبكرة، 52 عاماً، وعانى سنوات من المرض وقصور الدورة الدموية فى الساقين، وسافر إلى روسيا عدة مرات للعلاج، ولم يتوقف عن التدخين إلا فى العام الأخير قبل الوفاة عندما وصل الحال إلى الخوف من فقدان أحد الساقين، وكذلك توفى بنوبة قلبية، التى هى أحد أهم أسباب الوفاة للمدخنين، خصوصاً مرضى السكر والضغط والسمنة وعدم الحركة.
سعدت عندما صدر قرار بمنع تدخين الشيشة اللعينة فى المقاهى والتى كانت قد انتشرت فى مصر بشكل وبائى فى المقاهى وعلى الأرصفة وفى المنازل وبين صغار الشباب، والكارثة الكبرى إقبال البنات والسيدات على تدخين الشيشة، وأعلم أن هذا القرار نجحت الدولة فى تطبيقه، وكنا فى انتظار كارثة الكورونا اللعينة كى نطبق هذا القرار، حيث إن مدخن الشيشة والسجائر فى عرضة أكثر للمرض، ومعظم الوفيات من الكورونا من المدخنين، حيث إن المناعة لديهم منحطة، والجهاز التنفسى ضعيف وعرضة لأن يعصف به فيروس الكورونا.
منذ عشرة أعوام كنت فى زيارة للمغرب الشقيق ضمن وفد طبى، ولاحظت أن المقاهى ليس بها شيشة وأن الدولة اتخذت هذا القرار ونفذته منذ سنوات، وعندما عدت طالبت، وما زلت أطالب، أن نقتفى أثر الشقيقة المغرب، التى أتمنى لها كل النجاح فى برنامجها الوقائى ضد التدخين.
قمنا نحن الأطباء وغيرنا من القيادات، وعلى رأسهم الصحفى الوطنى الشريف صلاح منتصر، وعلى رأسنا الأستاذة الفاضلة الدكتورة فاطمة العوا، ابنة الوطنى الكبير الدكتور سليم العوا، وهى تعمل مديرة مكافحة التدخين بمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط بالتوعية، وحدث بعض التحسن فى نسبة التدخين بين بعض الفئات ولكن ليس بالصورة المرضية، وهناك دول نجحت وحققت نتائج كبيرة وذلك بالرغم من أننا أنجزنا فى لجنة الصحة، وعلى رأسها الدكتور حمدى السيد، على مدى عشرين عاماً من 1980 إلى 2007، قوانين تتعلق بمنع التدخين فى المواصلات والأماكن المغلقة والمصالح الحكومية والمنشآت الشبابية والمنشآت الصحية والمنشآت التعليمية، وطالبنا بزيادة سعر التبغ والذى أخذت به وزارة المالية ونحن لم نعارض ليس حباً فى صحة المواطنين ولكن فى زيادة الموارد أن زيادة التدخين 10% ينتج عنها نقص الاستهلاك 7%، وكذلك القانون منع الإعلان عن التدخين بأى شكل من الأشكال، بما فى ذلك الكتابة والصورة والمسلسلات والأفلام، ومع الأسف الجزء الفنى لم يلتزم وما زالت المسلسلات والأفلام مليئة بالترويج للتدخين واستخدام المخدرات.
كنا أولى الدول التى وافقت على الاتفاقية الإطارية للوقاية من أضرار التدخين الصادرة عن الأمم المتحدة وذلك فى 2005، وكنا رقم خمسة من الدول التى وافقت على الاتفاقية والتى أصبحت جزءاً من القوانين المصرية، وكنا من أوائل الدول التى أنجزت قبل التوقيع عدداً من القوانين التى نصحت بها المنظمة الدولية، والمنظمة أضافت منع زراعة التبغ وتشجيع الدول التى تزرعه فعلاً على إيقاف الزراعة واستبدال زراعات أخرى تكون مجزية لأصحاب الأراضى، ومع ذلك ما زلنا نسمع من حين لآخر من بعض المسئولين فى شركات التبغ أو من وزارة الزراعة الحديث حول النصح بزراعة التبغ فى بعض المناطق المناسبة مثل شمال الدلتا، وهذا سيكون مخالفة صريحة للقانون، وأنا أول من يرفع قضية على الدولة إذا فكرت فى هذا الأمر، بالإضافة إلى ذلك شجعنا وزارة الصحة على إنشاء إدارة لمكافحة التدخين وفتح عيادات لمعالجة المدمنين والتوعية بين المواطنين عن مضار التدخين ولكن وزارة المالية مع الأسف الشديد لم توفر لها الموارد.
فى نقابة الأطباء قمنا بجهد كبير فى منع التدخين فى المستشفيات العلاجية والعيادات ومحاسبة الأطباء الذين يدخنون فى العلن بتهمة مخالفة آداب المهنة، ونجحنا فى خفض نسبة الأطباء المدخنين من 40% إلى 29% إلى 19% فى آخر إحصاء، وبقى طلاب الجامعات، الذين نسبة التدخين بينهم تصل 20%، ولم يمنع التدخين فى المنشآت العامة.
منظر يسبب الأسى فى النفس؛ حجرة فى إحدى المصالح الحكومية بها عشرة موظفين أو أكثر، بينهم خمس سيدات بعضهن حوامل، وجو الحجرة لا تكاد ترى شيئاً من غابة التدخين، أى إننا نؤذى الأجيال القادمة؛ لأن الحامل المدخن -إيجابياً أو سلبياً- تتسبب فى مضاعفات للجنين منها نقص الوزن عند الولادة والإصابة بعدد من التشوهات الخلقية.
نطالب الآباء جميعاً بحماية أولادهم وإعطاء المثل الطيب لهم بعدم التدخين، والمدمنون العاجزون عن المنع يجب ألا يدخنوا فى المنزل حتى لا يصاب الأطفال بالنزلات الشعبية وحتى لا تعانى زوجاتهم الحوامل من مضاعفات للجنين.
للتدخين فتاوى كثيرة لرجال الدين أنه حرام وكان رائدها ما صدر عن المفتى العظيم الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الديار الأسبق، الذى قرر فى فتواه أن التدخين حرام لأسباب كثيرة شرحها فى فتواه، وذكر لى بعض القيادات الدينية أن عدداً من الشباب جاءوا له وقالوا يا سيدنا التدخين ليس حراماً ولكنه مكروه، فأجاب الشيخ المحترم: ما رأيك الشرعى ممن يقوم بتدخين عشرين مكروهاً فى اليوم أليس هذا حراماً؟ والدين الإسلامى ينص على أنه لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام.
ملحوظة:
1- نص القانون على إنشاء مجلس للوقاية من التدخين برئاسة وزير الصحة وعضوية وزراء الأوقاف والتعليم والحكم المحلى والشباب والرياضة ونقيب الأطباء وممثل للأزهر والكنيسة المصرية وعدد من الشخصيات العامة ولم يجتمع بالرغم من مرور خمسة عشر عاماً على إنشاء القانون.
2- وعد وزير الأوقاف أن تكون هناك خطبة على الأقل فى الشهر بالمساجد للتعريف بأضرار التدخين، وأن المدخن يخالف الشريعة ويرتكب منكراً، ومع ذلك إذا حدث ذلك يقوم الخطيب بعد انتهاء الصلاة بالإسراع بتوليع السيجارة فى فمه.
3- أنشأت وزارة الصحة عيادات لعلاج المدخنين والمشاركة فى التوعية ثم ضعف توقف هذا النشاط.
4- جريدة محترمة نشرت موضوعاً خاصاً بالشيشة وأن هناك اختراعاً بمبسم جديد يقى من فيروسات الكورونا، وهذا مخالف للقانون الذى يمنع التدخين والتحريض والدعاية للتدخين.
5- دعونا عدداً من الفنانين والمخرجين والمؤلفين، وطالبنا أن تتوقف الأفلام والمسلسلات، خصوصاً الرمضانية، عن الترويج للتدخين واستخدام المخدرات، ولم يحدث شىء، ويصدر من وزارة التضامن الاجتماعى كل عام عدد من المواقف التى تشجع على التدخين فى المسلسلات، وبدأنا نشك أن هناك مبالغ تُدفع من شركات السجائر لزيادة هذا الدعم للتدخين، علماً بأننا قد طالبنا أنه عند ظهور موقف يتطلب وجود مدخن بأن يظهر على الشاشة بخط كبير جملة «التدخين يسبب الوفاة مبكراً»، ولم يحدث شىء.
6- هناك اتفاق بين المحافظ السابق لمدينة الإسكندرية، الرجل المحترم عادل لبيب، ووزير الصحة حاتم الجبلى، أن تكون الإسكندرية مدينة خالية من التدخين خلال 3 سنوات، هذا فى عام 2008، وترك عادل لبيب المحافظة وحاتم الجبلى الوزارة ولم يحدث شىء.
كندا من أعظم البلاد حرصاً على صحة أبنائها وهى أول من أدخل طبع الصور على علب التدخين، وأحضرتها معى إلى مصر، وأصدرنا تشريعاً بتنفيذها فى مصر على علب التدخين، فى زيارتى الأخيرة منذ عدة سنوات سألت عن أحوال التدخين فى المصالح والمؤسسات، قيل لى إنه حدث تعديل فى القانون بحيث إن العامل أو الموظف الذى يريد التدخين عليه أن يخرج إلى الشارع ويدخن على بُعد خمسين متراً على الأقل من باب المصنع أو المصلحة (فى فصل الشتاء درجة الحرارة 20 تحت الصفر والثلج يغطى الشوارع وعلى المدخن أن يذهب إلى الشارع لكى يدخن وهذا عقاب له ودافع للكثيرين على التوقف).
المواطنون الأعزاء التوقف عن التدخين حماية لصحتكم وصحة أولادكم ورعاية لصحة ومستقبل الوطن وللأجيال القادمة.. وفقكم الله إلى عافية الخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.