دينا أبوالمجد تكتب: دور القطاع الخاص في حماية الثروة الحيوانية
دينا أبوالمجد
يرجع تاريخ إنشاء أول معمل لإنتاج اللقاحات فى مصر لعام 1903، وسمى معمل السيرم أول معمل علمى فى الشرق الأوسط متخصص فى تحضير السيرم المناعى كلقاح لوقاية الماشية من مرض الطاعون، وفى عام 1983 صدر القرار الوزارى رقم 869 لتحويله إلى معهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية وظل المعهد خط الدفاع الأول والوحيد عن الثروة الحيوانية فى مصر ضد الأمراض والأوبئة بما يمتلكه من إمكانات كبيرة ونخبة من خيرة علماء مصر، ومع مرور الوقت ازدهرت صناعة الدواجن بشكل كبير وانتشرت مزارع تربية الدواجن فى جميع ربوع مصر بفضل دخول القطاع الخاص للاستثمار فيها وكان لهم الفضل فى تطوير الصناعة وانتشار المزارع والمصانع المطابقة للمواصفات، وهو ما انعكس بالإيجابية على زيادة حجم الإنتاج بشكل غير مسبوق، إلى أن وصلنا اليوم إلى مرحلة الاكتفاء الذاتى من البروتين الحيوانى ذي القيمة الغذائية العالية من لحم وبيض.
وفى سبيلنا للوصول إلى هذه المرحلة ظهر خلل واضح بين تطور صناعة الدواجن من ناحية وتوافر الأمصال واللقاحات والأدوية الضرورية لحماية المزارع من الأمراض والأوبئة من ناحية أخرى، ومع انتشار المزارع وزيادة الإنتاج وظهور سلالات جديدة من الدواجن والمواشى وتغيير المناخ والتربية العشوائية لبعض المربين، وغيرها من العوامل التى أدت لظهور أمراض عديدة تصيب الثروة الحيوانية والداجنة، سواء كانت أمراضاً متوطنة أو أمراضاً وافدة أو مشتركة يستوجب معها ضرورة تحصين المزارع بأمصال ولقاحات وأدوية فعالة وآمنة، ولعلاج هذا الخلل دخل القطاع الخاص مرة أخرى على خط صناعة الدواجن، وضخ المستثمرون الكثير من الأموال، ولكن هذه المرة كاستثمارات فى قطاع اللقاحات والأدوية البيطرية، حيث تقوم الشركات بتوفير احتياجات السوق المحلية من اللقاحات والأدوية البيطرية عن طريق الاستيراد، حيث تحتاج مصر سنوياً 16 مليار جرعة ويتم توفير 96% منها عن طريق الاستيراد باستثمارات 6 مليارات جنيه و4% من التصنيع المحلى، وبالنظر إلى هذه الإحصائية نجد أن مصر تعتمد بشكل أساسى على الاستيراد لتوفير احتياجاتها من الأمصال واللقاحات، حيث يقدر عدد الشركات المرخص لها بالاستيراد حوالى 50 شركة.
ولكن فى الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة الأدوية المغشوشة واللقاحات منتهية الصلاحية، فمثل هذه اللقاحات والأدوية كفيلة بنفوق ملايين من الإنتاج الحيوانى والداجنى ونتيجة لذلك تعرضت شركات استيراد اللقاحات للهجوم من قبل البعض، متهمين إياها بأنها تقوم باستيراد هذه اللقاحات غير الفعالة بتواطؤ مع بعض الأجهزة الرقابية، وفى هذا الصدد يجب الإشارة إلى أمرين فى غاية الأهمية:
ضرورة التفرقة بين الأمصال واللقاحات من ناحية وبين الأدوية البيطرية من ناحية أخرى، فالأمصال واللقاحات هى مستحضرات بيولوجية يتم إنتاجها داخل مراكز بحثية علمية متطورة باستخدام التكنولوجيا الحيوية بغرض إنتاج لقاح يحتوى على مناعة فاعلة مكتسبة تجاه مرض معين، وهذه العملية معقدة للغاية مثلما صرح المتخصصون، وتحتاج الكثير من الوقت. ومن هنا يتضح أن اللقاحات لا يمكن أن تغش أو يتم تقليدها كما يتردد بانتشار لقاحات مغشوشة ومقلدة بالسوق ولكن قد تفقد فعاليتها بسبب سوء التخزين والنقل، أما الأدوية البيطرية فهى مركبات كيميائية تنتج مضادات حيوية يسهل تقليدها وتنتشر فيها ظاهرة الغش التجارى وتمثل تهديداً كبيراً على القطاع.
الأمر الثانى: عملية استيراد اللقاحات معقدة للغاية وتخضع لخطوات واشتراطات صارمة من قبل الدولة وأجهزتها الرقابية، ووفقاً لآراء المتخصصين أن اللقاح جزء من منظومة الأمن الحيوى ولا يمكن أن نختزل مقاومة أى مرض فى دور اللقاح فقط، ولا يستطيع أى لقاح التأثير على أى مرض بشكل مطلق منفرداً، بالإضافة أنه طالما أجيز اللقاح من الجهات الرسمية فلا يحق لأحد التعقيب طالما المعايير التى تم بها قبول اللقاح مطبقة على جميع اللقاحات، كما أنه لا يستطيع أحد فرض لقاح أو برنامج إلا بشكل علمى لاستخدام اللقاح؛ حيث يستخدم اللقاح كأداة ضمن برنامج لمكافحة المرض.
ولكى يسمح بدخول اللقاحات أو تسجيلها توجد إجراءات وشروط معقدة أهمها يجب أن يكون اللقاح مسجلاً لدى الدولة المصدرة له، بالإضافة لذهاب لجنة من الزراعة للمصنع المنتج للقاح لمتابعة كيفية إنتاجة على أرض الواقع وفحص الملف الخاص به من قبل متخصصين وأخذ عينة من اللقاح للقيام بتحليله، والتأكد من سلامته ومعرفة جدوى اللقاح للمرض من عدمه، ويتم الموافقة على دخول اللقاح المستورد أو تصنيعه محلياً تحت إشراف كامل من معهد البحوث والأمصال والمعمل المركزى للرقابة على المستحضرات الحيوية والبيطرية للتأكد من فعاليته ومطابقته للمواصفات القياسية العالمية.
ومن هنا يتضح أنه لا يمكن للدولة أن تسمح بدخول لقاحات مستوردة بدون تطبيق كافة الاشتراطات اللازمة عليها للتأكد من جودتها والحاجة إليها.
ولكن يجب على وزارة الزراعة التصدى بكل حزم لظاهرة انتشار الأدوية المغشوشة والمصنّعة تحت بير السلم والتى تشكل تهديداً مباشراً للصناعة وللشركات العاملة بالسوق من خلال تكثيف الرقابة على منافذ بيعها وتداولها وإعدامها ووضع عقوبات شديدة على من يقومون بتصنيعها.
إذا كنا نسعى للحفاظ على الثروة الحيوانية وتطويرها، فلابد من تدخل الدولة بكل إمكانياتها لدعم وحماية المستثمرين والحفاظ على الصناعة حتى تتمكن الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص من توفير كافة احتياجات السوق المحلية والحفاظ على استثمارات الأمصال واللقاحات التى تمثل حائط الصد الرئيسى للثروة الحيوانية ضد الأمراض والأوبئة.