أستاذ حضارة: كثير من نصوص الفقه تتشدد حيال بناء دور عبادة غير المسلمين
الدكتور صلاح الدين العامري، أستاذ الدراسات الحضارية بجامعة تونس
قال الدكتور صلاح الدين العامري، أستاذ الدراسات الحضارية بجامعة تونس، إن النصوص الفقهية التي تُحرم بناء دور العبادة لغير المسلمين وتكفر ذلك كثيرة، موضحا أن المسالة لا تتعلق في تقديره بالإسلام فقط، موضحًا أن كل الديانات تقريبا تحاول أن تطمس الرموز المكانية والزمينة ومجموع الطقوس والعبادات الخاصة بالديانات الأخرى، وهذا هو طبيعة الفكر الديني.
وأضاف العامري، خلال لقاءه في برنامج "يتفكرون"، الذي يُعرض على شاشة "الغد" الإخبارية، مع الدكتور خالد منتصر، أنه لا نستطيع أن ننفي أنه في صدر الإسلام، تم هدم التماثيل والرموز الدينية التي كان يعبدها العرب وقريش في مكة بمجرد فتحها، وبغض النظرعن تقييمنا لهذه الرموز، إلا أنها تمثل مقدسات لتلك الجماعة البشرية، وربما بهذه المسائل أو لهذا السلوك ما يبرره في تلك المرحلة التأسيسية للإسلام.
وأشار أستاذ الدراسات الحضارية بجامعة تونس إلى أن الإشكالية في تقديري، هو أن نواصل نحن المسلمين، النظر من تلك الزواية إلى الديانات الأخرى وإلى رموزها الدينية، فنجعل التحريم مطلقا في الزمان والمكان، موضحا أن هذا فكر الإنسان الديني عامة، الذي يعتقد أنه يمتلك الحقيقة النهائية التي لا تعترف بما قبلها.
وأوضح الدكتور صلاح الدين العامري، أنه رغم أنه بشكل ما بطبيعة الحال الإسلام يعترف بالديانات السابقة له، وكذلك المسيحية تعترف بوجود الديانة اليهودية، ولكن هذا لا يعني تقبل وجود الديانات لاحقة، مؤكدا أن الصراع هنا للأسف يقوم أساسا على مبدأ "الثلث المرفوع"، بمعنى أنه ليس هناك حل ثالث، إما أنا أو أنت، أي أني لا أرى وجودي إلا على نفيك ورفضك.
وكان الدكتور خالد منتصر عرض تقريرًا تحت عنوان "إشكالية بناء دور عبادة غير المسلمين"، حيث ذكر التقرير أنه يكاد يكون هناك شبه إجماع بين الفقهاء على منع بناء الكنائس، وإحداثها في بلاد المسلمين، وعلى وجوب هدمها إذا تم ترميمها أو تحديثها، وعليه اعتمد بناء دور العبادة لغير المسلمين حرام بالإجماع.
وأوضح التقرير، أن الفقهاء قالوا: "لو وُصي ببناء كنيسة فالوصية باطلة، وكذا ترميمها ولا فرق بين أن يكون الموصي مسلمًا أو كافرًا، وكذا لو وقف على كنيسة كان الوقف باطلًا"، وعليه اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة، في روايات المنقولة عن أئمتهم على منع بناء الكنائس والمعابد في بلاد المسلمين.
وأشار التقرير، إلى أن التحريم يأخذ شكلًا أكثر حدة فيما يتعلق ببناء دور العبادة لغير المسلمين بجزيرة العرب، في المقابل يرى فريق أن الدولة الوطنية الحديثة القائمة على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات لا تنسجم مع مثل هذا المنع القائم على تمييز ديني صارخ، لأن الدولة كمفهوم اعتباري تتجاوز مفهوم الجماعة الدينية المغلقة.
وبالتالي سقطت أحكام الفقه في هذه المسألة تاريخيا، ويطالب أنصار هذا الرأي، بحرية اتباع كل الديانات السماوية والوضعية، في إقامة دور عبادة خاصة بهم، وممارسة شعائرهم بحرية مطلقة، وهو ما يصطدم مع رفض المؤسسات الدينية وسعيها لتقييد الأمر، مع عدم مرونة القوانين لتبقى الدولة حائرة بين هذا وذاك ما يفتح الباب أمام صراعات طائفية دامية.