جامعة القاهرة هى الجامعة المصرية الأم والجامعة الأكبر فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهى أحد العناصر المهمة للقوة الناعمة المصرية. وعندما أراد الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما» أن يتحدث إلى العالم الإسلامى، فى بداية جلوسه على كرسى الرئاسة فى الولايات المتحدة الأمريكية، كانت المنصة التى اختارها لهذا الحديث هى قاعة المؤتمرات فى جامعة القاهرة. وعند قراءة السيرة الذاتية لوزير الخارجية السورى الراحل مؤخراً عن العالم، وليد المعلم، ستجد أنه قد تخرّج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 1963م. وهذه الحالة متكررة بين العديد من كبار السياسيين فى الدول العربية والأفريقية، حيث نجد بينهم عدداً كبيراً من خريجى جامعة القاهرة. كذلك، وعندما صدر قرار صاحب السمو حاكم دبى -حفظه الله- رقم (17) لسنة 2016 بتشكيل مجلس أمناء جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، كانت جامعة القاهرة العريقة هى الجامعة الشرق أوسطية الوحيدة الممثلة فى عضوية مجلس أمناء الجائزة، بالإضافة إلى ممثل عن جامعة الإمارات العربية المتحدة، وممثل عن جامعة نانيانج التكنولوجية، وممثل عن جامعة أكسفورد، وممثل عن ناشيونال جيوجرافيك.
وعندما تطلع عزيزى القارئ على «الترتيب الأكاديمى لجامعات العالم»، الذى يصدره مركز بحوث الجامعات العالمية الذى يتبع جامعة شنغهاى فى الصين، المعروف اختصاراً باسم «تصنيف شنغهاى» (shanghai ranking)، الذى يحظى باحترام عالمى لدقته وسلامة المعايير التى يعتمد عليها، والذى يشمل أفضل ألف جامعة على مستوى العالم، ستجد جامعة القاهرة هى الجامعة المصرية الأولى وربما الوحيدة فى القائمة، حيث دخلت ضمن أفضل 400 جامعة على مستوى العالم، وذلك وفق التصنيف الأخير الصادر عام 2020م. والمأمول هو أن تكون جامعتنا الأم بين أفضل مائتى جامعة على مستوى العالم. وقد كان لجامعة القاهرة دور مهم فى تحسن ترتيب مصر فى مؤشر «جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعى» الصادر مؤخراً، والذى يصدر سنوياً عن «شركة الاستشارات العالمية أكسفورد إنسايتس» و«المركز الكندى لأبحاث التنمية الدولية». إذ يذكر المؤشر أن الجامعة المصرية الأم نجحت فى أن تصبح ضمن أفضل مائتى جامعة فى العالم بمجالات الهندسة والتكنولوجيا، وتوجد بها إحدى الكليات المتميزة فى هذا المجال، وهى «كلية الحاسبات والمعلومات»، والتى تم تغيير اسمها مؤخراً إلى «كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعى». وهكذا، أسهمت جامعة القاهرة فى تحسن ترتيب مصر فى المؤشر بمعدل 34 مركزاً وفقاً لمؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعى. وضمن سعى الدولة المصرية لمنع مخالفات البناء ومتابعة التصميم العمرانى الجيد والقضاء على مشكلة العشوائيات، ارتأت الحكومة من المناسب أن تتولى الجامعات فى شتى ربوع المحروسة إصدار تراخيص البناء وليس المحليات، بحيث تكون كل جامعة فى محيط إقليمها بمثابة مكتب استشارى ودليل إرشادى لإصدار التراخيص وضبط العمران. وبناء على ذلك قام رؤساء الجامعات بتشكيل لجان فى كليات الهندسة لإصدار تراخيص المبانى. ولا شك أن ذلك يشكل توجهاً حكومياً جديداً يعبر عن الثقة بالجامعات الحكومية، ويرشد إلى ضرورة تبنى فلسفة جديدة فى منظومة العمل الجامعى، ويدعم نهج جامعات الجيل الثالث، ويفتح الباب واسعاً أمام دور مجتمعى أوسع للجامعات يتجاوز الدور التعليمى والبحثى. وللقيام بدور مجتمعى أوسع، نرى من الملائم أن تستحدث جامعة القاهرة مؤشرات وطنية لرصد الجهود الوطنية فى مجالات معينة، ويجرى تنسيق هذه المؤشرات على نسق المؤشرات الدولية والعالمية، بحيث يتسنى تعزيز ترتيب الدولة فى المؤشرات العالمية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تنشئ جامعة القاهرة مؤشراً وطنياً لاقتصاد المعرفة أو الاقتصاد الإبداعى (الاقتصاد البرتقالى) أو الاقتصاد الأزرق، كما يمكن أن تستحدث مؤشراً للتنافسية وبيئة الأعمال، بحيث يتم رصد وقياس دور الجهات الوطنية المختلفة ذات الصلة بهذا المؤشر أو ذاك. ويمكن أن تتحول هذه المؤشرات بعد ذلك إلى مؤشرات إقليمية، بحيث يتسنى من خلالها دعم مساعى الدول العربية والأفريقية فى تأهيل اقتصاداتها وجامعاتها للدخول إلى التصنيفات العالمية. ومن خلال رصد وقياس الجهود الوطنية بواسطة مؤشرات وطنية تعتمد على معايير وأسس واضحة، يمكن الوقوف على نقاط القوة وأوجه التحسين فى جميع الملفات الاقتصادية والتعليمية والثقافية. ففى الولايات المتحدة الأمريكية، وفى ولاية كاليفورنيا على وجه التحديد، تقوم كلية الفنون والتصميم (College of Art and Design) بإعداد تقرير سنوى عن الاقتصاد الإبداعى فى منطقة لوس أنجلوس وولاية كاليفورنيا (Otis Report).
إن الانتقال إلى جامعات الجيل الثالث يستلزم اتباع طرائق غير تقليدية فى الجامعات المصرية. ولا ننسى هنا أن الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، كان أول من لفت الانتباه والأنظار إلى جامعات الجيل الثالث فى المنطقة العربية، ولذلك فإن آمالنا كبيرة فى تطبيق هذه الفلسفة الجديدة فى الجامعة المصرية الأم، بحيث يمكن نقل التجربة بعد ذلك إلى غيرها من الجامعات المصرية.
والله من وراء القصد