تكلَّس الفكر الإسلامى لما حرَّم الأشاعرة الفلسفة. تحريم الفلسفة كان تحريماً لحرية العقل. انعكس تحريم التفكير الحر على التفكير الإسلامى بشكل عام.. وبالتالى انعكس سلباً على النظر لكثير من مسائل عقائدية كانت فى حاجة إلى رؤية واسعة.
اعتبار كل الفلسفة سفسطة كان سبباً فى اعتبار الأشاعرة أن «الاجتهاد» فى وجود السنَّة خروج على العقيدة، وأن إعمال العقل خروج عن الدين.
قليل من الفلسفة لا يضر الدين، والمسلمون فى حاجة للمنطق لإعادة التعامل مع كثير من المفاهيم لتخليص الإسلام من أفكار دخيلة مسئولة عن القتل وكراهية الآخر وعن إرهاب الإخوان.
خطيئة الأشاعرة أنهم اعتبروا الفلسفة قلَّة إيمان وفهموا أن الاجتهاد تضييع وقت، لذلك رفضوا الرأى، ومنعوا الاجتهاد، ورسخوا قاعدة معيبة بأن النقل يبطل العقل.
النتيجة أن مفاهيم عقائدية لمحسوبين على الإسلام ليست على ما يرام، والنتيجة أن الأشاعرة لم يستطيعوا حسم مسائل جدلية كان حسمها يساهم فى أن يلقى بالمفاهيم الخاطئة عن الدين فى سلة المهملات.
أنزل الله القرآن للذين يعقلون، والذين يتفكرون، وأولى الألباب، لذلك فإن فهم كتاب الله فى حاجة إلى منطق.. والمنطق باب الاجتهاد.. والاجتهاد أصله قاعدة تحتم أن تتغير الأحكام مع تغيُّر الأزمان.
لكن الأشاعرة قصروا أفكارهم على اتجاه واحد ضيق لا يقبل المخالف ولا يقبل الاجتهاد، وسموا هذا فلسفة، مع أن الفلسفة واسعة مرنة.
غياب التفكير الحر عن مناهج الأشاعرة تسبَّب فى تكلُّس الاجتهاد وفى تضييق حرية التأويل، وكان سبباً فى حصر الإسلام فى المنقول وترك المعقول.
ارتبط المنقول بنظريات وحكايات تراثية، أغلبها مشكوك فيه، فتحول الدين لتمسُّك بطقوس تبدأ بصلاة الجماعة، وتنتهى بإعداد ولائم الصيام، وتوزيع العصائر على قائدى السيارات وقت أذان المغرب فى رمضان!
تحريم الأشاعرة للفلسفة أبعدهم عن الفصل فى مسائل جدلية عقائدية، كان مواجهتها فكرياً أكبر تدريب عقلى لعصرنة الدين وتحرير الإسلام من تابوهات كادت أن تعصف بصحيح الدين، بينما لم يحز المشايخ الشجاعة للاقتراب منها.
حدود الصحابة -رضوان الله عليهم- فى التشريع، وحدود النبى -صلى الله عليه وسلم- فى التعامل مع مفهوم النص، والفتنة الكبرى والأرزاق والأعمار، ومسئولية البشر عن أفعالهم كلها تابوهات تضاءل بحثها على حساب نواقض الوضوء.. وأدعية دخول الخلاء.. وسنن الجماع!
فكرة «المكتوب على الجبين» ليست إسلامية. لم يكتب الله -سبحانه- شيئاً على عباده. صحيح هو -سبحانه- الذى نظم قوانين الكون بداية خلقه، لكنه ترك للبشر اختياراتهم وفق القوانين الموضوعة ابتداء.
لم يكتب الله -سبحانه- على «أبوبكر» الإيمان، كما لم يكتب على «أبولهب» الكفر. لو كان قد كتب على كل منهما اختياره، لأصبح كل منهما ملزوماً بإرادة الله، وإذ مات أبوبكر (رضى الله عنه) مؤمناً، ومات أبولهب كافراً.. فالاثنان يستحقان الجنة، لأن الاثنين نفذا «إرادة ربانية»!
لو كان مكتوباً على أبى لهب الشرك، فهل كان يمكن له مخالفة ما كتبه الله عليه من كفر، بينما إرادة الله ماضية فى خلقه.. بلا تبديل.