مع التأكيد على أن مؤشر اقتصاديات الدول الكبرى يُقاس بعدد الفرص الوظيفية الجديدة سنوياً، أجزم بأن القيادة السياسية فى مصر تعمل أيضاً على خلق فرص وظيفية، من خلال رفع معدل التنمية فى جميع القطاعات، وليس أقرب إلى قلب رئيس الدولة من المنتجين الزراعيين.
- الدليل الدامغ على ذلك، توجيهات الرئيس السيسى بمشروعات تطوير الرى، سواء بالتحول للرى الحديث، أو تبطين الترع، وحتى حماية الشواطئ، وذلك بميزانيات تقدر بالمليارات، إضافة إلى التكليف الأخير بتطوير 1500 قرية مصرية، وما القرى إلا بأهلها الفلاحين ومنتجى الدواجن والماشية والأسماك.
- ولأن رئيس الدولة نفسه يحرص كل الحرص على التنمية البشرية، فمؤكد أنه لا يرضى بتشريد أكثر من 40 مليون منتج زراعى ومربى دواجن، أتعبتهم الزراعة والتربية، بعد خسائر متتالية لعروات محصولية، ودورات داجنة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وما واكبها من استمرار جهات حكومية فى استيراد سلع نكتفى منها ذاتياً، ولدينا المزيد منها للتصدير، فى محاولة لمعادلة الميزان التجارى.
- الأرز والدواجن هنا مربط الفرس، وما تناولته الأسبوع الماضى فى مقال بعنوان «هل يصلح الفلاح المصرى لوظيفة أخرى؟» أثار غضب السيد اللواء الدكتور وزير التموين، للدرجة التى وصف فيها كاتب المقال دون ذكر اسم كاتبه، بأن هذه الكتابة ليست سوى «تدليس»، نافياً سيادته استيراد أرز من خارج مصر، «لا هندى، ولا غير هندى».
- ومن باب نفى تهمة «التدليس» عن نفسى، وتحرياً للمهنية والمصداقية اللتين ينبغى أن يتحلى بهما الصحفى والكاتب والباحث، اجتهدتُ فى الحصول على مستند يؤكد استيراد أرز من الخارج، لكننى حتى كتابة المقال لم أحصل إلا على واردات مصر من الأرز الهندى فقط، (إحصاء الإدارة المركزية للحجر الزراعى)، ولم أتمكن من الحصول على باقى الواردات، سواء من الجمارك، أو هيئة سلامة الغذاء، أو من الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، لكن ذلك لا يمنع استمرار جهود البحث للحصول على ما يُثبت الزيادة، أو يؤكد ثباتها عند 725 طناً من الأرز الطبيعى، و133296 طناً من الأرز البسمتى، وذلك خلال الفترة من أول يناير حتى 27 ديسمبر 2020، وفق ما جاء فى المستند.
- مطلوب من الكاتب أن يحمل أمانة الكلمة، وإن كانت المعلومات التى تتناقلها الصحف دورياً تأخذ طابع التوثيق الذهنى، فهذا لا يعفى الكاتب من امتلاك الوثائق الدامغة لصحة معلومة يكتبها، وإن كان المستند الممسوك حالياً يحمل كميات قليلة، فهذا لا يمنع إثباته فعل استيراد الأرز من الخارج فى عام أنتجت فيه مصر نحو 4.5 مليون طن أرز أبيض، تزيد على استهلاك المصريين بأكثر من نصف مليون طن.
- المسألة ليست مباراة بين وزير وكاتب، وإن كان الأول مهموماً بتوفير الغذاء للشعب، وهذا قوام مسئولياته الوطنية، فمهمة الثانى قراءة الإنجازات بموضوعية، وتقدير درجات تحقيق المستهدف اقتصادياً واجتماعياً، وهو ما وصفه مقال يركز على ضرورة الاهتمام بالمنتجين، وإزكاء جهودهم التى تصب فى ميزان الأمن المجتمعى لدولة قوامها ينهض على الفلاحة والفلاحين، وتملك صناعة داجنة قوامها 100 مليار جنيه، ونحو 5 ملايين وظيفة مباشرة، ومثلها مساندة، ولا يضيرها أكثر من الاستيراد.
- وإن كان اتجاه وزارة التموين لاستيراد الأرز من الخارج، آخذاً فى التباطؤ حتى قارب على التوقف، أو توقف تماماً بالفعل بنهاية 2020، فيجب التنويه إلى أن الاستيراد كان يستهدف فى السابق موازنة أسعار الأرز فى الداخل، بعد تلاعب التجار فى العامين 2017، و2018، حتى ارتفعت الأسعار للمستهلك بشكل قياسى، وهو اتجاه غير حميد، ومن الأجدى ابتكار حلول غير عقابية، لعدم إهدار الثروات القومية.
- وإذا كانت الإجراءات العقابية تستهدف منع مخالفات زراعة الأرز عن المساحة التى تحدّدها اللجنة التنسيقية المشتركة بين وزارتى «الرى» و«الزراعة»، فيجب التنويه أيضاً إلى أن زراعة الأرز فى المحافظات الشمالية خيار لا غنى عنه، للحفاظ على أكثر من 3.5 مليون فدان، معرّضة للتصحّر بالتملح، وتتطلب الرى بالغمر، وزراعة الأرز دورياً، لمقابلة زحف مياه البحر إلى المياه الجوفية، كما أن مشروعات تحديث الرى ستؤدى إلى رفع كفاءة استخدام المياه، وتوفيرها لهذا الغرض، مع استمرار وزارة الزراعة فى تربية واستنباط أصناف قصيرة العمر شحيحة استهلاك المياه، وغزيرة الإنتاج.
- ويكفى أن ننوه هنا بأن الدول الزراعية الكبرى لا تستخدم الإجراءات العقابية لمنع المخالفات، لكنها تنفذ برنامج التحفيز والإثابة لمن يلتزم بالخطة الرسمية، خاصة إذا كانت هذه الخطة مدروسة بعناية، وتلبى احتياجات الدولة، وفق استراتيجيات تنموية محسوبة.
- مرة أخرى، الضرب على أيادى المنتجين لا يجنى سوى مزيد من الخسائر فى ميزان الاقتصاد الكلى، ولعل السيد وزير التموين لا ينفى أيضاً إلحاح الوزارة فى طلب استيراد الدواجن من الخارج، فى الوقت الذى يفيض فيه إنتاج مصر على استهلاكها بنحو 300 ألف دجاجة مع طلعة كل صباح، ويصب فى هذه الخانة أيضاً، الخبر الذى نشرته الصحف ووسائل الإعلام بتخفيض أسعار الدواجن المستوردة بمبلغ 7 جنيهات للكيلو، وفى ذلك تحفيز لشراء المخزون الاستيرادى منها، على حساب «الوطنى الطازج».
- نهاية: لا يُسعِد رئيس الدولة سوى توفير سُبل العيش الكريم للمواطن، بمأكل آمن، ومشرب نظيف، وعلاج فعّال، وكلها بأدوات وأسعار لا تنوء بحملها الدولة، ولا يئن لسدادها المستهلك، ولا يخسر معها المُنتِج ماله وأرضه ومصدر قوته وقوت رعيته، وكل ذلك لـ«تحيا مصر».