«جوابات حراجي القط» لزوجته «فاطنة».. وثيقة «الخال» التي توثق بناء السد
الخال عبدالرحمن الأبنودي
«الجوهرة المصونة، والدرة المكنونة، زوجتنا فاطنة أحمد عبد الغفار، يوصل ويسلم ليها، في منزلنا الكاين في جبلاية الفار» بهذه الكلمات يفتتح الشاعر الكبير أو الخال عبدالرحمن الأبنودي، ديوانه الشهير «جوابات حراجي القط»، الذي يقدم فيه الأسطى حراجي القط العامل البسيط من عمال مشروع السد العالي، والذى سافر إلى أسوان ضمن للعمل في مشروع السد في الستينات، وتتضح أبعاد شخصيته وشخصية زوجته «فاطنة» في الرسائل، والتي لم تكن بحال من الأحوال أقل شغفا به، إذ تقول في أحد جواباتها: «فى الليل يا حراجى.. تهف عليا ما عرف كيفن هففان القهوة على صاحب الكيف، وبامد إيديا فى الضلمة، ألقاك جنبى، طب والنبى صُح ومش باكدب يا حراجى».
في رسائل الديوان يتحدث الأبنودي عن الغربة والتحولات الكبرى في حياة المصريين أيام الستينيات، إذ يتحول الأسطى حراجي من فلاح بسيط يعمل بالأجرة فى أراضي الغير في بلدته الصغيرة ويركب القطار لأول مرة في حياته، إلى عامل في مشروع السد العالي ويهاجر إلى أسوان، فيحكي حراجي عن مشاهداته وانطباعاته عن أسوان، وكيف أن العمل في بناء السد العالي كان سببا في انفتاح بصيرته على ثقافات وأجناس وعوالم كانت مجهولة بالنسبة إليه، ويرصد الديوان امتداد تأثير التحولات، إذ لا يقف أثرها على العاملين فى المشروع بل يمتد إلى ذويهم «الزوجة فاطنة»، والتي تبدأ في طرح الأسئلة، لتعبر عن شغفها بمعرفة العالم عبر جواباتها، ثم بالتحول التدريجي ابتداءً من الاهتمام بتعليم الأولاد، والذي يصل إلى رغبتها في المشاركة الحقيقية في العمل والحياة.
الكاتب والناقد إبراهيم خطاب، صاحب كتاب «موال النهار.. دراسة للشخصية والتجربة الإبداعية» عن الخال عبدالرحمن الأبنودي، يرى أن ديوان «جوابات حراجي القط» هو الوثيقة الأصلية المتبقية التي تؤرخ لكفاح مئات بل آلاف من أبناء الشعب المصري الذين قاموا ببناء وترميم السد وإنشاء وتشييد مبنى السد العالي بعد معارضات من صندوق النقد الدولي.
وأضاف لـ«الوطن»: «الديوان جزء من اللحم الأصيل لإبداعات عبدالرحمن الأبنودي، وهو وثيقة حقيقية من أهم الوثائق التي بقيت لنا من بناء السد العالي فى مصر».
وتابع خطاب: «الأبنودي سافر إلى أسوان، خلال عمل المشروع وآثر ألا تكتب القصائد وهو هناك كزائر بل عاش مع هؤلاء العمال الفقراء وعايش حيواتهم البسيطة، بخلاف معايشته لعمليات حمل الطوب والزلط الخاص ببناء السد، وأقام معهم إقامة كاملة كأنه واحدٌ منهم».
وبحسب «خطاب»، مخطوط قصائد الديوان، صودر عند دخول الأبنودي المعتقل في 1966، وبعد خروجه من السجن استرده مرة أخرى ونشرها، وهو من أوائل الأعمال التي أنتجها «الخال».
وتابع أن كل ما أنتج الأبنودي من أعمال هو عمل مميز، وأخص بالذكر بعض دواوينه ومنها «جوابات حراجي القط» لأنه يتكلم على أرض الواقع، وتجربة مصرية خالصة مائة بالمائة، ولا يعادله من أعمال إبداعية للأبنودي في القيمة والقامة سوى ديوان «الأحزان العادية»، والديوانان من أبرز ما أنتجه «الخال»، منوها إلى أن لغة عبدالرحمن الأبنودى لا تتوقف على اللهجة الصعيدية فقط، وإنما تقرأ على جميع اللهجات، وقصائد الديوان كانت تطلب من الأبنودى خارج مصر في الإمارات والسودان وغيرهما.