الجيش الأمريكى فى الواجهة
بحلول صباح الثلاثاء المقبل بتوقيت واشنطن، عصراً بتوقيت القاهرة، سيكون الجيش الأمريكى قد دفع بقواته إلى العاصمة و50 مدينة بعواصم الولايات المتحدة، تحضيراً واستعداداً لعملية تنصيب الرئيس المُنتخب جو بايدن فى 20 يناير.
المشهد العام يعكس توتراً حاداً وقلقاً بين جميع الأطراف، ربما يكون أكثر من اللازم، ولكنه فى الحقيقة مشاعر صادقة، رغم كل محاولات التهدئة التى اندفع الرئيس ترامب لتسويقها بين أنصاره، غير أن صدمة 6 يناير أصابت المؤسسة الأمريكية بألم شديد، خصوصاً مع وجود اتجاه قوى يذهب بما جرى إلى أبعد بكثير من الانتخابات، ويدق ناقوس خطر لروح عنصرية ظلت كامنة لسنوات طويلة، وعادت تطل بنفسها، بعد عثورها على مناخ دعم إعادتها للحياة والانتشار.
مبنى الكونجرس الأمريكى سيتحول إلى ثُكنة عسكرية تحيطه السواتر الحديدية الملتصقة ويتجول حوله من كل منفذ عناصر الحرس الوطنى الأمريكى، وتقف فصائل منهم على السلالم المؤدية إلى داخل المجلس من كل زاوية، مدججين بالسلاح الخفيف، وفى خلفية الصورة، استعدادات أكثر ثقلاً عتاداً وتسليحاً، استعداداً لأى تطورات مفاجئة، حتى لا يتكرر مرة أخرى المشهد الصادم لاقتحام الكونجرس فى السادس من يناير الجارى.
وسط أجواء القلق أصدر الجيش الأمريكى مذكرة لجميع أفراد الخدمة، مؤكداً فيها أن ما جرى من أعمال داخل مبنى الكابيتول لا يتفق مع سيادة القانون، وشدد على أن الحق فى حرية الكلام والتجمع لا يعطى لأحد الحق فى اللجوء إلى العنف والفتنة والتمرد.
الدين والسياسة
فى افتتاح جلسة التصويت على عزل ترامب بمجلس النواب، ووسط أجواء تحريضية إعلامية وسياسية عنيفة لحشد التأييد لإصدار قرار الإدانة والعزل من داخل المؤسسة، وبتعبئة الرأى العام، تمهيداً لإحالة الملف إلى مجلس الشيوخ، بدأت الإجراءات مع النواب بصلاة، تقدمتها قس المجلس جرون كيبين، والتى أكدت فى تلاوتها للصلاة على «الخطورة التى يعانى منها الأمريكيون» من جرَّاء الأحداث ودلالتها، وقالت: «نقف أمامكم لتقديم حساب لدورنا فى قرارات اليوم الجسيمة وحماية هذه الأمة والحفاظ عليها»، وهكذا بلغ التوتر والتعبئة مداهما بالاستعانة بمفردات فى الصلاة دعماً للمشهد.
مفردات العالم الثالث
كان لافتاً من ضمن تفاصيل المشهد المفردات السياسية والإعلامية التى جرى استخدامها فى وصف الأحداث من ناحية، وتصنيفها من ناحية ثانية، ويبدو أن خبرات العالم الثالث وجدت مكانها لدى السياسيين والمحللين الأمريكيين، حين اعتبروا أن ما جرى من أعمال واقتحام لمبنى الكونجرس عمليات عنف وإرهاب، ودعوة للتمرد على القانون وانتهاكه، ووصفوا المشاركين بأنهم ميليشيات مسلحة، وغابت أى مفردات أو معانٍ عن حقوق المتظاهرين، أو مواجهتهم بالعنف، حتى مشهد إصابة سيدة من المتظاهرين ومقتلها لم يجد أى رد فعل، خصوصاً مع إعلاء الحديث عن استهداف المقتحمين لرجال الشرطة وحرس الكابيتول، وبالمناسبة هى ذات المفردات والتوصيفات التى استخدمتها قناة الجزيرة فى متابعاتها اللحظية للأحداث.
تويتر والتطرف الترامباوى
من المشاهد اللافتة مواقف «تويتر» و«يوتيوب» و«فيس بوك» الحريصة على حريات الرأى والتعبير وقراراتها بحظر حسابات الرئيس الأمريكى ترامب لخرقه قواعد النشر والتحريض على العنف والأعمال العدوانية، وهو تبرير مثير لإجراء لم نرَ له مثيلاً تجاه الهارب فى إسبانيا أو أراجوزات تركيا وقطر، رغم كل خطابهم الدموى والتحريضى على العنف.
الهوى السياسى
من أبرز المشاهد اللافتة الانقسام الحاصل فى توصيف الأحداث وكيفية التعاطى معها، وأسلوب كل طرف من الكتلتين الأساسيتين فى الفعل ورد الفعل والتفاعل مع الطرف الآخر، فتصريحات النائب الجمهورى المعروف ليندسى جراهام، صاحب النفوذ الكبير فى الأوساط، ركزت على أن «إجراءات عزل الرئيس ستُلحق ضرراً كبيراً بمؤسسات الدولة»، وهو الذى قال إن «عملية التصويت فى مجلس النواب لعزل الرئيس إساءة للقانون»، لكن يبدو أن القانون بعيد عن فكرة التعامل مع الأزمة، والارتكاز على الأغلبية الحزبية داخل المؤسسة التشريعية هو الأساس، وفى حين تجاهل الديمقراطيين التحذيرات والمخاوف، كانت توجهات قادتهم متناقضة تماماً، إذ اعتبرت رئيسة مجلس النواب «بيلوسى» أن «عزل الرئيس لأنه يقسم البلاد» ولذلك «وجهت الدعوة لمجلس الشيوخ لعزل ترامب، كونه خطراً داهماً على الأمة».
المشهد المنتظر
البادى أن أياً من الطرفين لا يمتلك قوة كافية لبسط سيطرته الكاملة، فالديمقراطيون لن ينجحوا فى إقصاء الجمهوريين لفترة طويلة مستقبلاً، وظنى أن الجمهوريين لن يمنحوا منافسيهم فرصة عزل ترامب حفاظاً على وجودهم السياسى ومنعاً للحزب من الانقسام، والأهم من كل ذلك أن أياً من الطرفين لم يعط اهتماماً للتعامل مع مخاوف انقسام أو تعميق صراع وانتشار جماعات وأعمال عنف فى المجتمع، قدر ما يبحث كل منهما عن نتائج حزبية بالدرجة الأولى، القانون بعيد تماماً عنها، والاستخدام السياسى هو الأساس فيها.
مشهد أوروبى مختلف
بعيداً عن أحداث الولايات المتحدة بالغة الدروس لمن يريد أن يفهم، فرض تطور حاصل نفسه علينا جميعاً، من خلال سؤال بسيط وسهل جداً: لماذا استبعدت إدارة موقع التواصل الاجتماعى «واتس أب» أوروبا وبريطانيا من تطبيق التطويرات الجديدة الخاصة بالمعلومات والبيانات الشخصية؟؟ والإجابة أكثر بساطة وسهولة ويسراً، لأن هذه البلاد تتمتع بقوانين حماية البيانات والمعلومات الشخصية لسكانها، وأى تصرف غير ذلك سيعرّض الشركات، حتى ولو كانت كونية، لعقوبات غليظة.
ومشهد من خارج المشهد
أعلنت كتلة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين اختيارها مقاعد يسار منصة مجلس النواب مكاناً للكتلة، فى إجراء تنظيمى وسياسى ذكى، وسيُبرز دورهم وتأثيرهم فى المناقشات العامة أو المواقف المختلفة، لكن هل يا ترى هم يعلمون أن هذه المقاعد اختارتها أحزاب المعارضة والنواب المستقلون مكاناً خاصاً بهم، منذ استعادة التعددية الحزبية فى البلاد عام 1976 وإجراء أول انتخابات فى ظلها ولمدة تقترب من الأربعين عاماً؟!