إبراهيم حجازى يكتب:.. هي دي الحكاية! (7)
إبراهيم حجازى
الطفل الصغير مثل النبتة الصغيرة.. عود أخضر طرى لم يصلب طوله!
هو مشروع إنسان كبير فى ما بعد مثلما النبتة الصغيرة مشروع شجرة كبيرة مع الأيام.. ولكن!
فى الزراعة.. أهالينا الفلاحون عرفوا ونجحوا واتفقوا على كيفية الحفاظ على هذا العود الأخضر الطرى.. بكل وسائل الرعاية.. لينمو ويكبر ويصلب عوده إلى أن يصبح شجرة كبيرة!
فى الرياضة.. أهلها «وخبراؤها» والمستفيدون منها والمتحكمون فيها وأحوالها.. لا عرفوا ولا يعرفون أن العود الأخضر الطرى.. لأجل أن يصلب طوله ويسير على طريق البطولة.. يحتاج إلى رعاية فائقة.. يحكمها العلم لا الفهلوة.. لأنه فى غياب العلم.. العود الأخضر «اتعوج» مبكراً.
وصَعَّبْنَا عليه فرص المنافسة العالمية مستقبلاً! إيه الحكاية؟
فى يوم وكان ذلك فى التسعينات.. ذهبت لمشاهدة بطولة أسكواش للناشئين الصغار.. وفرحت للعدد الكبير من البنات والأولاد الصغار المشاركين فى البطولة! فرحتى بالغة.. لأن هذه اللعبة عاشت لسنوات طويلة.. أعداد من يلعبون فى قطاع المنافسة بها قليلة جداً جداً.. رغم أننا كشعب نملك سمات التميز والتفوق فى الأسكواش.. وهذا ما أثبته وأكده عبدالفتاح عمرو باشا من عام 1939 وفوزه ببطولة إنجلترا التى كانت بمثابة بطولة عالم.. ومن بعده توالى الأبطال المصريون الذين تفوّقوا عالمياً.. على فترات متباعدة.. بداية من محمود عبدالكريم، ومروراً بعبدالفتاح أبوطالب وإبراهيم أمين، ونهاية بجمال عوض فى السبعينات.
ولأن قاعدة الممارسة أعدادها قليلة.. أصبحت قاعدة المنافسة أعدادها هزيلة.. وطبيعى انعكس الأمر على البطولات العالمية التى ابتعدنا عنها قرابة العقدين.. إلى أن جاءت بطولات الأهرام للأسكواش.. أمام الأهرامات للرجال وفى الغردقة للسيدات.. والتنظيم الجيد فى الأماكن المبهرة التى لا مثيل لها فى العالم.. تأثيره الإيجابى انعكس على الأسكواش فى العالم كله قبل مصر وحدها!
بطولات الأهرام سجّلت تاريخاً جديداً للعبة.. وفى أول صفحة لهذا التاريخ.
النجم أحمد برادة الذى كان القاطرة التى «سحبت» وراءها عشرات النجوم المصريين العالميين.. فى الرجال والسيدات.. بهم ومعهم مصر تجلس على عرش العالم للأسكواش.. إلا أن الاهتمام البالغ لكثير من أعضاء الأندية بأن يمارس أبناؤهم الأسكواش.. هذا الاهتمام لم يتم احتواؤه بالإدارة الرياضية العلمية الواعدة.. ولو أن هذه الإدارة موجودة.. ما كانت هذه الواقعة.. التى رأيتها يوم ذهبت أشاهد بطولة أسكواش للناشئين.. وبقدر فرحتى بأعداد الصغار الذين يشاركون فى المنافسات.. بقدر حزنى على ما شاهدت!
الصغار تحت 10 سنوات على ما أتذكر.. ومباراة بين طفلين فى عمر الزهور.. والطبيعى أن يفوز واحد ويخسر الآخر! والطبيعى أيضاًً أنها رياضة لا حرب.. والرياضة الفوز فيها وارد والخسارة واردة.. لكن نقول لمن؟
ما إن انتهت مباراة الطفلين الصغيرين.. وانفتح باب الملعب الزجاجى وخرج الطفلان.. رأيت ما لم أره من قبل! أم الطفل الصغير الذى خسر المباراة.. تندفع نحوه فى جنون.. وقبل أن يفيق الطفل الصغير من الخضة.. فاجأت الجميع بقلم على قفا طفلها الصغير.. مصحوباً بكل أنواع النَّهْر والقهر والشتيمة للطفل الصغير.. لأنه اتغلب فى مباراة!
العود الأخضر الطرى.. انفطم بالقلم اللى انضربه على قفاه.. قدام كل خلق الله! الولد الصغير «ده».. أكيد كره الحياة كلها وكره الرياضة والأسكواش.. وحتى إن ضغطت عليه أمه وكمل.. صعب جداً يبقى بطل فى المنافسات العالمية! ليه؟
«ليه؟» هذه التى أطرحها.. هى أم مشاكلنا فى قطاع البطولة.. والسبب الأهم وربما يكون الأوحد.. فى عدم وجود مستوى مرتفع له صفة الثبات ويمكن التنبؤ به فى المنافسات العالمية فى كل اللعبات الرياضية!
نعم فى كل اللعبات.. لأن الخطأ قائم فى كل اللعبات.. وليس من اليوم أو الأمس.. وإنما منذ دخلت الرياضة عندنا.
وهذا هو الفارق.. بين فهمنا لمفهوم الممارسة والمنافسة هنا.. وفهمهم لها هناك!
هناك فى الدول التى تقدّمت رياضياً.. ممنوع بتاتاً دخول الأطفال الصغار فى منافسات.. حتى لا يخضعوا لضغوط نفسية.. قبل أن يكتمل نمو جهازهم العصبى!
قولاً واحداً.. الأطفال.. ممنوع مشاركتهم فى أى مباريات للعبات الجماعية أو البطولات الفردية.. قبل أن يكتمل نمو الجهاز العصبى لهم.. وهو يكتمل نموه فى سن الـ14 تقريباً!
المنافسة بما تحمله من ضغوط عصبية هائلة ممنوعة.. لأن تعرّض الجهاز العصبى قبل أن يكتمل لهذه الضغوط.. يصيبه بعطب.. يبقى ملازماً لصاحبه.. وهذا العطب تظهر آثاره مع تعرّض الجهاز العصبى لضغوط زائدة.. ليبدأ فى إرسال إشارات خاطئة إلى الجهاز العضلى.. فالجهاز العصبى هو الذى يعطى إشارات الحركة للجهاز العضلى.. وعندما تكون الإشارات خاطئة للجهاز العضلى.. تصبح حركات اللاعب خاطئة.. ويبدأ فى ضرب الكرة فى الصفيحة فى الأسكواش أو يبدأ «القلش» فى الكرة.. وهذا يفسر لنا الأخطاء التى تظهر فى الأوقات التى لا تسمح بالتعويض.. وهو الوقت الذى زادت فيه الضغوط على الجهاز العصبى.. «اللى هو معطوب من الصغر»!.
الدول المتقدمة رياضياً.. ناشئوها الصغار لا يلعبون بطولات أو مباريات رسمية فيها ضغوط عصبية.. إلا بعد سن الـ14! قبل هذه السن.. هم يلعبون مباريات للتأكد من إتقان المهارات.. لكنها بدون حساب أهداف أو نقاط أو أوقات.. يعنى من غير ضغوط عصبية!
فى السباحة مثلاً.. هناك بطولة شتوية دولية ودية تقام سنوياً فى دارمشتاد.. كل دول العالم المتقدمة رياضياً.. تشارك فيها لأجل الوقوف على مهارات سباحيهم الصغار وتصحيح طريقة سباحة الطفل.. دون النظر إطلاقاً إلى الأرقام!
هنا.. أندية مصر كلها تشارك فى البطولة.. وتعود كلها فرحانة لأن أولادنا كسبوا أولادهم وأرقامنا اكتسحت أرقامهم!
فى واحدة من هذه البطولات.. ناشئ من الأهلى فاز ببطولة المرحلة السنية المشارك فيها.. متفوقاً على كل الأبطال الصغار من الدول المختلفة ومن بينها أمريكا!
الناشئون الصغار الذين شاركوا فى بطولة دارمشتاد كبروا وأصبحوا فى منتخبات بلادهم!
بطلنا الذى فاز ببطولة دارمشتاد.. أرقامه لم تؤهله للمشاركة فى الدورة الأولمبية.. بينما بطل أمريكا الصغير.. مايكل فيليبس.. الذى خسر فى دارمشتاد أمام بطلنا المصرى.. اكتسح مسابقات السباحة فى الدورة الأولمبية وحصل على سبع ميداليات أولمبية!
هى دى الحكاية!