كل الكائنات الحية سواء إنسان أو حيوان أو نبات أو كائنات دقيقة مثل البكتيريا والفطريات وغيرها تتكون من مركبات عضوية غنية فى ذرات الكربون، ثم نجد شيئاً آخر مشتركاً فى كل الكائنات الحية ألا وهو أن البروتينات التى تتكون منها كل هذه الكائنات عبارة عن عشرين نوعاً من الأحماض الأمينية الأساسية تتكون منها نواة الخلية والإنزيمات اللازمة للنمو والتكاثر والحياة، إلا أن أهم هذه الأشياء التى تشترك فيها كل أنواع الكائنات الحية هو وجود الحامض النووى أو البصمة الجينية سواء كان دى إن إيه D N A، أو آر إن إيه R N A، وهو الذى يحمل سر الكون لكل جنس من الأجناس وصفاته التى يتكاثر على أساسها، والمقصود بالبصمة الجينية التى توجد على الحامض النووى هو تتابع القواعد النيتروجينية بتسلسل معين، وهذا التسلسل هو الذى يعطى الأمر للجين لتكوين البروتين المسئول عن إظهار صفة أو وظيفة معينة تتغير أو تختفى لو تغير هذا التسلسل فى موضع واحد فقط من ترتيب هذه القواعد.
وهذا التسلسل فى تتابع القواعد النيتروجينية هو الذى يكون وحدة بناء الحامض النووى التى تسمى «نيوكليوتايد»، وهذه النيوكليوتايدات تشبه تماماً الأحجار التى يتكون منها بناء الحامض النووى، ولكى نفهم ترتيب هذا التكوين ببساطة فلنفترض أن هذه القواعد النيتروجينية التى ذكرناها تكون بمثابة الحروف الأبجدية وكل ثلاثة حروف منها تتلاصق وتكون ثلاثية، وعلى ذلك تكون هذه الثلاثيات من القواعد النيتروجينية بمثابة الكلمات التى تكونت من الحروف، وبناءً عليه فإن ترتيب الحروف يعطى كل كلمة معنى معيناً، وترتيب الكلمات يعطيها معنى أكثر دقة حتى تتكون جمل مفهومة تكسب الإنسان صفات وراثية محددة من خلال هذا الترتيب، فمن الذى يملك هذه القدرة على إعطاء كل فرد من الستة مليارات من البشر الذين يعيشون على ظهر الأرض بصمة جينية معينة خاصة به، ولا تتكرر إلا فى التوائم المتطابقة فقط.
وبما أن الحامض النووى أو البصمة الجينية داخل كل خلية من خلايا جسمنا لا بد أن تكون من الحامض النووى الذى ورثناه من والدينا، ووالدانا قد ورثاها من والديهما، وهكذا نظل فى تسلسل حتى نصل إلى الحامض النووى لأبينا آدم وأمنا حواء، وعلى هذا الأساس فلا بد أن يحمل كل منا بداخله إرثاً من الحامض النووى لأبينا آدم الذى لا بد أنه كان يحتوى على كل الصفات الوراثية المتباينة الموجودة فى كل البشر الآن، والتى كان بعضها ظاهراً وسائداً، والبعض الآخر كان مختفياً ومتنحياً.
ويظل جدل المتكبرين الذين أخذتهم العزة بالإثم ليقولوا: نفترض أن هذا الكلام صحيح فلماذا لا يكون الحامض النووى الأول الذى تكونت منه النشأة الأولى عبارة عن تفاعل كيميائى صنعته الصدفة، فنحن نستطيع أن نحضر الحامض النووى الآن فى المعمل، فلماذا لا يكون الحامض النووى الأول قد نتج من تفاعل مثل الذى يحدث الآن فى المعمل؟
ولهؤلاء نقول إنه لتحضير الحامض النووى فى المعمل يجب أن تتوافر البروتينات التى تحتاج فى تكوينها إلى وحدة البناء التى سبق ذكرها والتى تسمى «نيوكليوتايد» ويجب أن تكون موجودة بتتابع معين لكى تتكون هذه البروتينات، ولا يمكن للحامض النووى أن يتكون على الإطلاق إلا إذا كانت هناك نسخة منفردة من هذا الحامض النووى، والبروتينات أيضاً تكون موجودة فى نفس الوقت وفى نفس المكان وكلاهما من الجزيئات المركبة، ولكى نعيد هذا الوضع إلى أصله الأول فسوف نعود إلى قصة البيضة والكتكوت، فالبروتينات لا تتكون إلا بأمر من الجينات أو الثلاثيات الموجودة بتتابع معين على الحامض النووى، وفى نفس الوقت الحامض النووى لا يمكن أن يتكون دون وجود البروتينات، فأيهما سبق الآخر فى الوجود، وهل يمكن أن تكون الصدفة أو الطبيعة هى التى أوجدتهما فى نفس المكان وفى نفس الوقت لكى تبدأ الشرارة الأولى للحياة على الأرض؟ بالطبع وبالمنطق وبالعلم لا يمكن أن يحدث هذا عن طريق الصدفة ولا بد من وجود قوة عظمى هى التى نسقت وأوجدت هذا التفاعل الذى أوجد الحياة التى لا يمكن أن تكون قد بدأت من خلال تفاعل كيميائى قامت به الطبيعة، فهل يمكن أن ننكر أن هذه القوة هى قوة الله الخالق عز وجل الذى أخبرنا بذلك عندما حدثنا عن النشأة الأولى، ثم ما هو الشىء الآخر أو القوة أو الإله أو الطبيعة التى ادعت لنفسها الخلق حتى تحاجوا الله فى خلقه وترفضوا كلامه؟