بالصور| "بلكونة جبس" تُنهي حياة "نجوى" ليلة العيد
"ماما أنا خارجة بكرة مع أصحابي عشان نجيب هدوم العيد، عايزة أقوم أنشر البلوزة عشان ألبسها على البنطلون الأسود".. أنهت "نجوى" بتلك الكلمات حديثها مع والدتها ونهضت متجهة إلى البلكونة لنشر ملابسها لكن خطواتها لم تكن إلى البلكونة.. كانت بداية الرحلة التي أدخلتها القبر ليلة العيد، بعد أن سقطت بها البلكونة أثناء نشر ملابسها.[SecondImage]
فاضت روح "نجوى".. انتهت حياتها وغابت ضحكاتها، قتلها الإهمال والفساد وترسية المناقصات على مقاولين معدومي الضمير، وهوت بها البلكونة، وهي مساكن شباب بناها بنك شهير لم يراع في استلامه الوحدات أي معايير خاصة بالأمان.
والدة "نجوى" تعلم أن البلكونة مجرد "قش"، وترفض دخول أي من بناتها إليها، وتتحمل هي تلك المهمة "إن مت أنا مفيش مشكلة لكن دول بنات صغيرين وأنا مش مضحية بحد فيهم"، هكذا تبرر الأم فعلتها، لكنها سمحت لـ "نجوى"، ربما لأن للقدر له رأي آخر.
"نجوى سامى" 22 عامًا، فتاة في مقتبل العمر، لم تستطع الحصول على شهادة الثانوية، بسبب إصابتها بمرض السكري، " كانت بتقع من طولها وهي ماشية في الشارع أو في المدرسة، الكلام لأمها.. وتتابع "بطلت تروح المدرسة من أولى ثانوي رغم أنها كانت متميزة وشاطرة ومركزة في دراستها بس الحمد لله نصيبها كده".[ThirdImage]
توجهت نجوى بعد حلقة ضحك مع إخوتها، إلى البالكونة المطلة على الشارع، وفى يدها "بلوزة" لنشرها، وما أن اقتربت ناحية السور حتى أنهار بها أرضاً، ولم تطلق الضحية صرخة استغاثة أو تتلفظ بحرف، وكُتب في هذا التوقيت المشهد الأخير في حياتها التي شابتها الصعاب بعد إصابتها بمرض السكري، وترك الدراسة وفشل خطوبتها في وقت سابق.. حالة من الفوضى تعم المكان الأم تصرخ.. إحدى شقيقاتها تُجرى اتصالاً بالإسعاف، التي هرعت إلى مكان الحادث ونقلت "نجوى" إلى مستشفى زايد التخصصي القريب من المنزل.
الساعة تقترب من الواحدة صباحاً، أحد الأطباء يرفض استقبال حالة نجوى بحجة عدم وجود سرير رعاية.. "حسين" الشقيق الأكبر يُجري اتصالاً بمسؤول قضائي مهم، أمر المستشفى بضرورة توفير سرير لخطورة الحالة، وبتوقيع الكشف الطبي عليها.
دخلت نجوى في غيبوية تامة، استدعت دخولها غرفة العناية المركزة، تبين للفريق الطبي إصابتها بكسر في الجمجمة ونزيف بالمخ وكسر بالذراع الأيسر، حالتها الصحية تسوء يومًا بعد يوم.. لا استجابة لأي عقاقير أو محاولات إنعاش.. 5 أيام كاملة، لم تغادر فيها الأم مدخل غرفة العناية المركزة، تُمنّى النفس بنظرة أو إشارة من "نجوى".. تنادى بأعلى صوتها "يا نجوى يا حبيبتي أوعي تموتي هزعل منك"، ولكن لا حياة لمن تنادي، فمع بزوغ فجر يوم 29 رمضان كانت النهاية وكان موعد غروب شمس "نجوى".
تقول الأم الستينية، ماجدة زينهم: "الله يرحم نجوى كانت طيبة وحنينة عليّ، وعلى إخواتها، سابت المدرسة غصب عنها بعد إصابتها بالسكر، كان بيغمي عليها في الشارع أو المدرسة وتقع من طولها، وقعدت في البيت، كانت شايلة عني حمل تقيل، لما كانوا إخواتها بيدوهم عيدية كانت تقول أدوا إخواتى الأول أنا مش مهم"، وتكمل"كل الجيران هنا بيحبوها وبتحترمهم، كانت بنت موت بجد، أنا مكنتش بخلي البنات يدخلوا البالكونة، بس المرة دي معرفش ليه سبتها تدخل، أنا قلت لصاحب الشقة إن البالكونة مش متحملة، وقالي هعملها هو كل همه أنه ياخد فلوس وبس، وأهي نجوى ماتت واتحرمت منها".
حسين، شقيق نجوى، يعمل موظفاً بنادي السيارات، يقول "أنا معرفش إزاى الملايين بتتصرف على إعلانات الشقق وفي الآخر البالكونات معمولة من الجبس، ومفيش ضمير عند الناس دي، إزاى بالكونة تتعمل من جبس ، مفيش آدمية ولا رحمة، أهو دا اللي بنحصده من الفساد اللي عشنا فيه، فعلاً اللي مالهوش ظهر في البلد دي بيتعب وحقه بيضيع.
يشرح حسين، ما حدث معه بعد توجه إلى المستشفى ويقول "دا لما رحنا المستشفى الدكتور بيقولي مش هنقدر نستقبلها عشان مفيش مكان، رحت اتصلت بمسؤول قضائي كبير، كلمهم هما اترعبوا منه واهتموا بينا بعد اتصاله، ودبروا سرير، وفي نفس اليوم بالليل دخلت العناية المركزة، وفضلت فيها 5 أيام، وماتت الله يرحمها، أنا عايز أعرف حق أختي فين؟ ولازم حقها ييجي من أي مسؤول في البلد دي ومش هسيب حقها".