هل هو ظاهرة تستحق الدراسة؟ (أطلقوا اسمه على أحد شوارع بورسعيد، المدينة التى عاشت نضاله).
أعرف البدرى فرغلى منذ ما يزيد على خمسين عاماً، كان شاباً، عاملاً حقيقياً، يعمل فى ميناء بورسعيد فى الشحن والتفريغ، وانضم عضواً بمنظمة الشباب الاشتراكى. وهو مثقف حقيقى واعٍ بحقوق الطبقة العاملة.
كنت وقتها أحد قيادات منظمة الشباب وأُسند إلىَّ مسئولية متابعة بورسعيد وعند تشكيل أمانة المحافظة وجدت هذا الشاب النابه والعامل المثقف والوطنى الشجاع، وقد حاول البعض أن يثنينى عن ترشيحه بدعوى أنه مشاكس ومتعب وإحنا عايزين الشخص الطيب المطيع، فرفضت وجهة النظر هذه وقلت نحن بحاجة إلى الشاب الشجاع الوطنى الخلّاق صاحب الرأى الحر والمؤمن بما يراه صائباً ومن المفارقات أنه فى أول لقاء، أكد رأى مَن حذرنى من اختياره، لكننى صممت على حسن الاختيار لأن شاباً من هذا النوع أفضل ألف مرة من العناصر الطيعة التى تقول كله تمام وليس فى الإمكان أبدع مما كان.
لقد كان «البدرى» متمرداً وثورياً ولا يتنازل عن رأيه وقناعاته بسهولة ويدافع عن حقه وحق الآخرين بغير ملل أو كلل، وكان شريكاً فى المسئولية بأدب وجدٍّ واحترام وأظن أن ذلك يرجع إلى أنه عاش ونشأ فى أحضان الطبقة العاملة المصرية مدافعاً عنها وعن قضاياها لا يخشى فى الحق لومة لائم، إلى أن قرر «السادات» الانتقال من نظام التنظيم الواحد إلى التعدد الحزبى وكنت أخشى من أن هذا التحول سوف يكون فى صالح اليسار المصرى، فعندما قابلت ممدوح سالم فى ذلك الوقت ليعرض علىّ الانضمام لحزب مصر الاشتراكى طلبت منه أن تبقى منظمة الشباب الاشتراكى كتنظيم قومى للشباب، حتى إننى قلت له إن أغلبية الشباب سوف تنصرف عن حزبك وتنضم لحزب اليسار، لأن الشباب أكثر ميلاً إلى التغيير وليس متجهاً إلى الوسط وكان فى ذهنى آلاف الشباب، وفى مقدمتهم البدرى فرغلى والمفكر المبدع صلاح زكى وآلاف غيرهم.
كنت أعرف أن حزب اليسار سوف يجذبهم إلى صفوفه وقلت ذلك صراحة لممدوح سالم، حتى إنه قال لى إن الدكتور عبدالحميد حسن، وكان أميناً لمنظمة الشباب، قد أخبره بأن هناك عدد ١٨ محافظة طلبت منه الانضمام لحزب مصر الاشتراكى، حزب ممدوح سالم، فقلت له: هناك فارق كبير بين ١٨ أمين محافظة يرغبون فى الانضمام و١٨ محافظة، فالأولى ١٨ نفراً والثانية ١٨ كياناً ضخماً وهؤلاء لن يجدوا أنفسهم إلا فى اليسار فأخبرنى بأن السادات قرر ذلك وأن منظمة الشباب ستكون للطلائع فقط، أى الأطفال ولم يؤخذ برأيى وانصرف أغلبية الشباب للانضمام لحزب اليسار وكان فى مقدمتهم البدرى فرغلى، الذى أصبح عضواً فى القيادة العليا للحزب واستمر مدافعاً عن قناعاته بصلابة، حتى عندما اختلف الحزب فى بعض المراحل، كان دفاعه عن الفقراء ومحدودى الدخل من العمال بنفس القناعات التى عرفته بها فى نهاية الستينات وبداية السبعينات.
ولعل معركته التاريخية هى التى قادها بشأن أصحاب المعاشات ضد الحكومة برموزها المختلفة، كبارها وصغارها، حتى عندما أصبح عضواً بالبرلمان لم يتزحزح عن هذا وعانى فى ذلك الأمرين، حتى لقى ربه بعد أن نجح فى آخر قضية دافع عنها وهى قضية العلاوات الخمس لأصحاب المعاشات.
رحم الله المناضل الكبير البدرى فرغلى، الذى عاش فقيراً ومات فقيراً، لكنه مات غنياً بتمسكه بمبادئه وبدفاعه عن الحق وتبنى حقوق العمال، وإننى أقترح على القيادات الشعبية والسياسية ومحافظ بورسعيد أن يطلق اسم البدرى فرغلى على أحد شوارع بورسعيد التى شهدت وعاشت نضاله الوطنى الشريف.
رحم الله المناضل الشريف القوى البدرى فرغلى والبقاء لله.