شئنا أم أبينا فإن ما حدث فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ كان ثورة، وكل ثورة لها مراحل، لقد مرت ثورة يونيو بمرحلة المواجهة مع الإرهاب وعملياته فى الشارع المصرى، وكانت هذه هى المرحلة الأولى التى تم اجتيازها بنجاح، فى هذه المرحلة كان الحزم واجباً، والتوحد حول الهدف ضرورياً، وقد فهم المصريون ذلك، وسمعوا وأطاعوا، وتوحدوا، وكانت المرحلة الثانية هى مرحلة الإنجازات على الأرض، وهى بدأت منذ اليوم الأول لحكم الرئيس السيسى، لكن ظهرت ثمارها فى المرحلة الثانية، واتضحت ملامح تطوير عقارى هائل، وحركة بناء عملاقة، وفتح لشرايين القاهرة المغلقة، لكن هذه الإنجازات العملاقة بدت وكأنها (عملية سرية) لا يعلن عنها قبل تنفيذها، ولا يشرح الإعلام للناس فوائدها، ولا يتم الترويج لها حتى ينتظرها الناس بدلاً من أن يداهم الإنجاز بقوة وسرعة تجعلهم غير قادرين على استيعابه، يقول المثل إن الناس أعداء ما جهلوا.. وهو مثل صحيح ينطبق على جهل الناس بالتطورات السريعة والقوية قدر ما ينطبق على أشياء أخرى، وربما كانت هناك تفسيرات جديرة بالاعتبار والاحترام، مثل تفضيل الرئيس للعمل على الكلام، والخوف من التآمر، والحرص على عدم إهدار الوقت فى الحوار، حيث بالتأكيد سيتدخل فيه إخوان وخونة وآخرون من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم، لكن الحقيقة أن مزايا الحوار هى أكبر من أى عيوب تترتب عليه، هذه الإنجازات التى أراها رائعة يقلل من روعتها أخطاء البيروقراطية المصرية وهى تاريخياً تفتقد الذكاء، والعلاقة الحسنة مع المواطن، ولنضرب مثلاً بتطوير محور صلاح سالم، حيث اقتضت أعمال التوسعة إزالة عدد قليل من المقابر، وأتصور أنه كان يجب أن يتم الاتصال بأصحاب المقابر قبل عام من تنفيذ المشروع، ومنحهم مقابر بديلة، وتعويضات كافية، والتكفل بنقل محتويات المقابر، لكن ورثة أصحاب المقابر خرجوا ليحكوا حكايات مختلفة تماماً كانت أشبه برشة تراب على (تورتة) رائعة من الإنجاز، وبالطبع كان هناك إعلام الشر.. يضخم ويشوه، ويمارس الدعاية السوداء.
إننى أتخيل أن المرحلة الثالثة من حكم ثورة يونيو والرئيس السيسى، بعد مرحلتى (المواجهة) و(الإنجاز) هى مرحلة (الحوار).. حيث لا بد من فتح حوارات حول مشاريع القوانين إن لم يكن فى مرحلة إعدادها فعلى الأقل قبل إحالتها لمجلس النواب، والتصويت عليها، ولعل تجربة قانون إزالة التعديات على الأراضى كانت كافية كى نصل إلى هذه القناعة، ومن وجهة نظرى فإن القانون مثالى يصل إلى درجة (الحلم)بإصلاح التشوهات التى حدثت على وجه مصر طوال العقود الماضية، لكن الحلم المثالى شىء والواقع شىء آخر، فالواقع يقول إن الناس مرهقة مادياً، وإننا خارجون من آثار إصلاح اقتصادى قاس، ومن آثار كورونا، وإن المواطن تحمل نصيبه فى سياسة زيادة حصيلة الدولة من الضرائب، والواقع يقول أيضاً إن هناك إخواناً متربصين يبثون سمومهم بين الناس، وإن هناك أجهزة لدول معادية تعرف كيف تشعل الناس من مستصغر الشرر، وبالتالى فإن علينا أن نحلم بحذر، وأن نمسك معول البناء فى يد وميزان العدل والسياسة فى اليد الأخرى، وقد اتخذت الحكومة عدة إجراءات أدت فعلياً إلى وقف تنفيذ القانون، ولو كنا طرحنا القانون للحوار قبل البدء فى تنفيذه لكانت النتيجة أفضل.
شىء قريب من هذا أو مماثل لهذا حدث مع قانون الشهر العقارى والمادة الـ٣٥ التى أثارت غضب الناس، حيث التقدير المبالغ فيه لقيمة التسجيل، وحيث تعدد الجهات التى ينبغى التعامل معها لإنهاء الإجراءات، وحيث لا يعرف المواطن لماذا يضطر لأن يدفع من جيبه رسوماً لنقابة المحامين والأمانة القضائية، وغيرها.. ولو أننا طرحنا المشروع للحوار قبل تنفيذه لوصلنا لصيغ أفضل، مثل إقرار القانون برسوم أقل مثلاً، وبشروط أفضل، ولكان قد وجد طريقه للتنفيذ فعلاً بدلاً من اللجوء لتأجيل التنفيذ حتى العام القادم.
إن أخطر ما يحدث جراء هذه القوانين هو نجاح الإخوان فى الاصطياد فى الماء العكر، وقفزهم إلى الداخل المصرى ليناقشوا قضايا المواطن الداخلية ويزايدوا عليها.. وهو تحول فى دور وسائل الإعلام الإخوانية التركية ينبغى الانتباه له، فقد كان الإخوان يدعون أنهم يرفضون الوضع فى مصر كلية، وكان لديهم حس من الكراهية والتشفى فى الشعب الذى لفظهم وأنزلهم من مقعد الحكم إلى حيث يجب أن ينزلوا، وكان من الطبيعى أن يكتفوا بالرفض الكلى لما يحدث فى مصر دون تطرق إلى مناقشة تفاصيل قوانين صادرة عن نظام يدعون عدم شرعيته، لكنهم مع الوقت أدركوا أن هذا غير مفيد، ويجعلهم خارج المشهد المصرى.. فتحولوا ليسرقوا دور المعارضة الوطنية المصرية أو معارضة الداخل.. وبدأوا فى مناقشة مشاريع القوانين وتفاصيل الخدمات ومشكلات المواطنين.. وهو دور ينبغى أن يلعبه نواب المعارضة فى مجلس الشعب والكتاب والإعلاميون الوطنيون.. الذين هم جزء من النظام السياسى.. وليس أى أحد آخر.. فانتبهوا أيها السادة.
ملحوظة: بعد كتابة هذا المقال بساعة حل الرئيس السيسى مشكلة قانون الرهن العقارى بقراره بتأجيل تنفيذ القانون لمدة عامين فشكراً لسيادة الرئيس.