كيف تؤثر الزيادة السكانية على الأمن الاقتصادي في مصر؟ خبير يجيب
دراسة: العلاقة بين الفقر والنمو السكاني لها تأثير كبير في مصر
الزيادة السكانية
عوامل عديدة تؤثر عليها الزيادة السكانية بالسلب، وهي أحد أبرز التحديات التي تواجه الدولة المصرية خلال الأعوام الماضية، حيث يلتهم التضخم السكاني معدلات التنمية التي تسعى الدولة لتحقيقها على مدار الأعوام الماضية، مما كان دافعا للحكومة للتحذير على مدار السنوات الماضية، من خطورة تلك الزيادة في أعداد السكان.
ويعد الأمن الاقتصادي، أحد أهم العوامل التي تؤثر عليها الزيادة السكانية، وهو ما أكد عليه الباحث «حسين سليمان»، في دراسة له، حيث أوضح خلال الدراسة، أن الفقر يرتبط بشكل قوي بمعدلات الخصوبة المرتفعة، من خلال ميل الأسر الفقيرة لأن تضم عدداً أكبر من الأطفال في المتوسط.
وتشير الدراسة إلى أنه في حين توجد مساحة للسببية العكسية، أي كون عدد الأطفال الكبير قد يعزز من فقر الأسرة، إلا أن الجانب الآخر من العلاقة حاضر بقوة، من خلال اختيار الأسر الفقيرة، بشكل واعٍ، إنجاب عدد أكبر من الأطفال.
وفي مصر، تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى العلاقة بين الفقر وعدد أفراد الأسرة بوضوح، بحسب الباحث، ففي عام 2017/2018، كان 7% فقط من الأفراد الذين يعيشون في أسر بها أقل من 4 أفراد فقراء، بينما ترتفع هذه النسبة إلى 49.3% من الأفراد في أسر عدد أفرادها بين 6 و7، وتصل إلى نسبة فقر 75.8% ممن يعيشون في أسرة بها أكثر من 10 أفراد.
العلاقة بين الفقر والنمو السكاني لها تأثير كبير في مصر
وتكتسب العلاقة بين الفقر والنمو السكاني أهمية خاصة في مصر، نظراً للزيادة المستمرة لمعدل الفقر في مصر على مدى العقدين الماضيين، من16.7% من إجمالي السكان في عام 1999/2000، وصولاً إلى 27.8% في عام 2015، قبل أن يقفز إلى 32.5% في عام 2017/2018، ثم يتراجع إلى 29.7% في عام 2019، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة، مع توقعات بمعاودته الارتفاع خلال عام 2020 بسبب التأثير الاقتصادي لأزمة «كوفيد-19».
وبالتالي، ووفقاً لهذا التفسير، فإن زيادة الفقر في مصر خلال العقدين الماضيين، قد تكون أسهم بدوره في زيادة النمو السكاني خلال الفترة نفسها، عنه في التسعينات وأواخر الثمانينات من القرن الماضي.
وتقليدياً، بحسب الدراسة، كان التفسير النظري لهذه العلاقة بين الفقر ومعدلات الخصوبة المرتفعة، هو رغبة الأبوين في الأسر الفقيرة في إنجاب عدد كبير من الأطفال كي يساعدوا في تدبير نفقات الحياة من خلال دفعهم إلى العمل منذ سن صغير، وبالتالي فإن سبيل السيطرة على النمو السكاني هنا هو توفير فرص عمل وزيادة دخل هذه الأسر ومستوى معيشتهم، أي التنمية. لكن تكمن الأزمة هنا في الحلقة المفرغة التي تنشأ عن هذا التفسير، فمن ناحية، تقف الزيادة السكانية عقبة أمام التنمية. ومن ناحية أخرى، فإن التنمية هي الحل للسيطرة على الزيادة السكانية.
بعض الأسر تنجب أطفالا لمساعدتهم في دخل الأسرة
ولكن مؤخراً، واعتماداً على دراسات ميدانية لسنوات طويلة في عدد من البلدان النامية، خرج تفسير آخر محتمل للعلاقة بين الفقر ومعدلات الخصوبة المرتفعة. ووفقاً للدراسة، يرغب الأبوان في الأسر الفقيرة في إنجاب عدد كبير من الأطفال، كي يزيدوا من احتمالية أن يساعدهما أو يعولهما أحدهم، عند تقدمهما في السن وتوقفهما عن العمل.
وفي حين قد يبدو التفسيران متشابهين لأول وهلة، إلا أن الاختلاف البسيط بينهما يؤدي إلى نتائج مختلفة، ويطرح بالتالي سياسات مختلفة أيضاً. فإذا كان القرار الواعي لدى الأبوين الفقراء في إنجاب عدد كبير من الأطفال، هو رغبة في تحقيق قدر من الأمان الاقتصادي عند التوقف عن العمل، وليس أثناءه، فإن المخرج من الحلقة المفرغة بين الفقر والزيادة السكانية والتنمية قد يكون في أن تضمن الدولة هذا الأمان الاقتصادي لكل مواطن يبلغ سن التقاعد، بما يقلل من حاجة الأسرة الفقيرة لرهن الأمان الاقتصادي عند التقاعد بعدد أكبر من الأبناء.
ومن الضروري، بحسب الباحث، اختبار هذه الفرضية بشكل منهجي داخل مصر، اعتماداً على قواعد البيانات الحكومية التي تضم عدد الأطفال لدى الأسر، وربطها بوجود معاشات أو دخل ثابت عند التقاعد من عدمه. وقد ينتج عن هذه الفرضية إذا أثبتت واقعيتها داخل مصر، أن تدرس الدولة كجزء من سياساتها لمواجهة الزيادة السكانية، ضمان معاش ملائم وثابت لكافة المواطنين عند بلوغهم سن التقاعد، بما يشمل الفئات غير المُؤمَّن عليها والتي لا تستوفي شروط الاشتراك في منظومة المعاشات القائمة، مع ربط هذا المعاش بمعدل التضخم بدون حد أقصى، لضمان ألا يفقد قيمته الشرائية، وبالتالي دوره في القضية السكانية.
وفي الوقت الحالي، قد لا يمثل ضمان هذا المعاش لغير المُؤمَّن عليهم حالياً عبئاً إضافياً كبيراً، خاصة مع الهيكل الشاب للسكان في مصر، بوجود 4% فقط من السكان فقط فوق سن التقاعد. والأهم من ذلك، أن التكلفة الإضافية لمثل هذا الإجراء قد تتضاءل مقارنة بإسهامه المحتمل في معالجة إشكالية الزيادة السكانية في مصر، إذا ثبتت صحة الفرضية المشار إليها.