نظرية المباريات، وتسمى أيضاً نظرية الألعاب.. إحدى النظريات الاستراتيجية المهمة لاتخاذ القرارات فى مواقف الصراعات الدولية.
هى تحليل رياضى لحالات تضارب المصالح، بغرض الوصول إلى أفضل الخيارات فى اتخاذ القرارات.
عُرفت النظرية لأول مرة عام ١٩٤٤ من خلال الكتاب المهم «نظرية المباريات والسلوك الاقتصادى» لأوسكار مورجنستون وجون فون نيومان، واستُخدمت فى ما بعد فى الأمور المتعلقة بالاستراتيجية والسياسات الدفاعية والتحليل الاقتصادى.
تدين نظرية المباريات بتطبيقها فى مجال العلاقات الدولية إلى عالمين اقتصاديين كبيرين هما مارتن شوبيك، وتوماس شيلنج الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد عام ٢٠٠٥ بالمشاركة مع روبرت أومان، وذلك لتعزيزهما فهمنا للصراع والتعاون فى نظرية الألعاب، ولا ننسى أهم كتب شيلينج «استراتيجية الصراع» الصادر عام ١٩٦٠ فى أثناء الحرب الباردة والنزاع على أشده بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، الذى استخدمت فيه المعادلات الرياضية فى شرح الصراعات الدولية بين القطبين.
يتم تحليل المباراة من خلال أربعة عناصر رئيسية: وحدات اتخاذ القرار المستقلة فى المباراة «اللاعبون»، وكيفية استخدام الموارد المتاحة والخيارات أمام كل لاعب «القواعد»، وتحركات اللاعب فى حالة تحرك الخصم «الاستراتيجية»، وأخيراً النتيجة التى يحصل عليها اللاعب كنتيجة لاتباعه استراتيجية معينة «المحصلة»، ويعبر عنها عادة بتعبير رقمى.
وهناك عناصر لا بد من تفاعلها معاً لتشكل المنهج الذى يخطوه كل طرف، أو خمسة أسس للنظرية، أولاً: الخيارات.. بدائل كل طرف، ثانياً: الأهداف.. بحيث يستند تصرف اللاعب على حساب الخسائر والأرباح، ثالثاً: العقلانية.. سلوك اللاعب ليس استجابة انفعالية بقدر ما هو تصرف قائم على حساب الخسائر والأرباح، رابعاً: المنفعة، المنطق والغاية من الصراع.. وأخيراً: المعلومات.. المظهر الحاسم لخصوصية المباراة هو توفير المعلومات لاختيار كل طرف استراتيجيته بدقة.
يمكن تقسيم المباريات حسب محصلتها إلى شكلين أساسيين:
المباراة الصفرية zero sum: المباراة التى تتعادل فيها مكاسب اللاعب الأول مع خسائر اللاعب الثانى، أو العكس، بحيث يكون أى مكسب لأى طرف هو خسارة للطرف الآخر، وبالتالى محصلة هذه المباراة هى الصفر.. وهى تعكس حالة الصراع الدائم غير القابل للتفاوض.
المباراة اللاصفرية sum sum: لا تفترض حالة الصراع الدائم كالسابق، وتفترض وجود مساحة واسعة للتنسيق والتعاون بين طرفى الصراع، يخسران أو يكسبان معاً.
بالنسبة لمنطقة شرق المتوسط، فقد أصبحت ملعباً مهماً للعلاقات الدولية بعدما زاد الاهتمام بها، باعتبارها منطقة غنية بالنفط والغاز، وحسب تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام ٢٠١٠، يوجد نحو ١٫٥ تريليون متر مكعب من الغاز، وأكثر من ١٠٠ مليار برميل من النفط، تضاف إلى ذلك الأهمية الجيوسياسية للمنطقة كطريق الملاحة لعبور البترول والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبى.
وبالنظر إلى وجود بؤر عديدة للصراع، أبرزها الخلاف بين تركيا وقبرص واليونان، وهو المتعلق بجزيرة قبرص المقسّمة إلى شطرين: قبرص الجنوبية الدولة ذات السيادة، وقبرص الشمالية التركية منذ ١٩٧٤ غير المعترف بها دولياً، وهو ما ترتب عليه خلاف على الحدود البحرية بين شطرى الجزيرة، وخلافات على عمليات التنقيب فى المناطق الاقتصادية بشرق المتوسط.
هناك خلافات على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وبين سوريا ولبنان، وهناك تعدد الأطراف المتنافسة حول أمن الطاقة فى المنطقة، ومن بين المنافسات شركات التنقيب: الإيطالية، والفرنسية، والأمريكية، والروسية.
يسعى الاتحاد الأوروبى من جانبه إلى تنويع مصادره وطرق التوريد لتقليل الاعتماد على روسيا من قِبل دول شرق وجنوب أوروبا، بالإضافة إلى دوره كمؤسسة تحمى أعضاءها.
هناك إلى جانب ذلك كله، التوترات السياسية والأمنية فى دول عدة بالمنطقة: سوريا، لبنان، ليبيا، والتى تزيد تعقيدات الصراع، وتصعّب من استراتيجيات الحل.
على الجانب الآخر، استفادت مصر وقامت بالتنسيق المستمر بين دول المنطقة، وهو ما تجلى بإنشاء منتدى شرق البحر المتوسط منذ يناير 2019، ومقره القاهرة، يضم المنتدى وزراء الطاقة لدول المنطقة باستثناء تركيا، وللمنتدى مشروعان مهمان قيد التنفيذ: أولهما التصدير المشترك للغاز المسال المصرى إلى السوق الأوروبية، والثانى تشييد خط أنابيب بحرى للغاز يصل إلى إيطاليا بتكلفة ٧ مليارات دولار.
واستمراراً للتنسيق السياسى والعسكرى الكبير بين مصر واليونان وقبرص منذ ٢٠١٤، وقعت مصر واليونان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما أغسطس ٢٠٢٠، وإلى جانب ذلك بدأت فعاليات منتدى الصداقة، الذى يؤسس لمساحة تعاون كبيرة بين الدول المشاركة من منطقتى البحر المتوسط والخليج فى مجالات الطاقة والاتصالات والأمن البيولوجى، فضلاً عن التنسيق السياسى والأمنى.
وهكذا تلعب مصر «مباراة لاصفرية» بالمنطقة، وترعى مبادرات وتحالفات من شأنها تقليل الخلافات والتوترات السياسية لصالح المكاسب الاقتصادية، إذ تهدف مصر من خفض التوتر شرق المتوسط إلى تعزيز الأمن والاستقرار ودفع عملية التنمية الجماعية، ليشارك الكل فى مباراة رابحة.. قد لا يخسر فيها أحد.