مباراة كرة قدم لعبها محمد الأحول، مع أصدقائه حينما كان في الصف الخامس الابتدائي، قبل أن تنتهي عرضته لحادث أفقده ساقيه، وتعطل عن دراسته، حيث ركل أحدهم الكرة فخرجت عن الإطار المحدد للملعب بالطوب بقرية صفط الحرية بالبحيرة، لتستقر قرب عمود ضغط عالي قوته 12.000 وات داخل أرض زراعية كانت حينها مروية بالماء وانغمس فيها أحد الكابلات المتهالكة.
جرى الأحول مسرعًا لإعادة الكرة مرة أخرى إلى حوزة الملعب فوقع أرضًا، واستند على عمود الكهرباء، دون أن يعلم خطورته «الكهربا لمستني وحدفتني في الهواء طرت مسافة 3 أمتار».. هكذا بدأ «الأحول» في سرد قصته لـ«الوطن».
هبط صاحب السنوات العشر للأرض بدون تنفس، ولاحظ أحد الفلاحين ما حدث فهرول مسرعًا إليه وأنقذه بسيارة إسعاف نقلته إلى مستشفى إيتاي البارود، لكنها لم تقبله لسوء حالته، وحولته إلى مستشفى الإسكندرية، التي قررت ارتكاب أخف الضررين وبتر ساقيه الاثنين، لإنقاذه من موت محقق، «حصل لي تشوهات في جسمي خفت مع الوقت وايدي اليمين اتقطعت كلها والشمال اتقطعت من تحت المرفق»، وتعد هي اليد التي يزاول بها نشاطه رغم مشقة وعناء حركتها.
كانت تلك المباراة المشؤمة كفيلة بأن توقف حياة الطفل إلى الأبد بموته صعقًا بالكهرباء، أو تنهي دراسته عند الصف الخامس الابتدائي، دون أن يحصل على أي شهادة علمية، لكنه لم يتوقف عن الدراسة سوى عام واحد اقتصر فيه على أداء الامتحانات فقط من المنزل، فضلاً عن الخسائر الفادحة التي كبدتها له جراء علاجه، والتي تحملتها والدته بمفردها لاسيما بعد أن تخلى الأب عنهما، ولم ينفق عليهم، لكونه متزوج اثنين وأنجب أطفال من كلتيهما فيحكي محمد الأحول «هو ما كنش بيصرف علينا من قبل الحادثة وبعدها اتبرى مني أنا وأمي».
الأب تخلى عن الأم ونجلها.. ورفض الإنفاق عليهما عقب الحادث
عادت الأم ونجلها إلى بيت أبيها، بعد أن تخلى عنها زوجها ورفض علاج الابن المصاب، فتولت هي علاجه واضطرت أن تخرج للعمل في الزراعة تارة والخدمة في البيوت تارة أخرى، قائلة: «شيلت كرنب على راسى وحملّته في العربيات، واشتغلت في المصانع، وفي السلخانة أعمل شاي وقهوة للناس، ويوميتي كانت 20 جنيه» لتلبي نفقات علاج ودراسة نجلها الذي أصبح عاجزًا، إلى أن أصيبت بشرخ في ظهرها، ولم تستطيع العمل فضلاً عن حاجتها لعملية جراحية لا تريد إجراءها حتى لا تنشغل عن رعاية نجلها «مين هيخدمني ويخدم ابني لما أعمل العملية».
الأم تصاب بشرخ في الظهر واضطرات للاستدانة لعلاج نجلها وتتمنى أن يحصل على الشهادة الجامعية
ومع عدم قدرة الأم عن العمل عجزت عن توفير نفقات علاج نجلها ودراسته عقب وصوله الصف الأول، والثانوي، فلجأت إلى الاقتراض والاستدانة «استلفت من طوب الأرض وسحبت قروض عشان أعالجه وأديه دروس وعلي ديون شايلة همها، ومش عارفة أسددها والناس بتطالبني»، وبالرغم من ذلك لا تلقي باللوم على زوجها لظروفه السيئة حيث كان يعمل سائق «هوعلى باب الله محيلتوش حاجة، وأنا قعدت في أوضة وصالة عند بيت أبويا، وولاد الحلال صبوها وجهزوها لي» مضيفة أن والده توفى منذ شهر واحد، وطلب رؤية نجله المصاب قبل وفاته: «طلب يشوفه وقال له سامحني يا بني».
لا تجيد السيدة سعدية الغنام، والدة محمد الأحول، القراءة والكتابة، ومع ذلك تحرص على أن يكمل نجلها تعليمه ويحصل على الشهادة الجامعية؛ ليحقق حلمه وحتى لا تنال منه الإعاقة «بحمد ربنا على كل حال.. وهو مريحني بيذاكر على التابلت وعايزاه يكمل علامه»، كما يتمنى نجلها الذي لم يتجاوز الـ16 عاما، أن يرفع العبء من على كاهلها بأن تسدد ديونها التي أحوجتها إليها الظروف والحادث الذي تعرض له، ويعاني الأحول، قائلًا: «نفسي يكون لينا مشروع يصرف علينا وما نمدش ايدنا لحد.. أو شركة الكهرباء تعوضنا» مضيفاً أن والداته ورثت حملاً ثقيل بعد أن تخلى عنهم الأب «أبويا سايبنا من زمان وهي تعبت معاي لحد ما ضهرها اتقطم ومش قادرة تعمل العملية، وأنا مش عارف أساعدها إزاي في تعبها».
تعليقات الفيسبوك