رسم الحزن ملامحه على وجهه، وخيم الهدوء على كل شيء حوله، وانطفأت اللمبة التي كانت تنير عتمة المنزل بوفاة والده، فأصبحت الحياة مملة بطيئة الحركة، الأم لا تتكلم كثيرا، شاردة الذهن، دائمة العودة إلى طيف الزوج الذي لم تتبقَ سوى ذكريات عاشتها معه، والجدة ملأ الشجن وجهها، حزنا على نجلها الذي رحل قبلها وترك أبنائه في وقت هم في أشد الحاجة إليه، فازدادت شيخوختها ولزمت كرسيها المتحرك تبكي حالها وتشفق على أحفادها، ومضت 10 سنوات على وفاة رب الأسرة لكن تتابع الأيام لم يستطيع أن ينسي خالد العجيزى تلك الصدمة التي أصابته وهو دون الـ14 من عمره، وكأن الزمن توقف عندها فلم يتقدم رغم حركته المليئة بالأحداث.
حالة الفقد والاحتياج إلي الأب أصبحت هي الشعور المسيطر على «خالد»، الطفل الأصغر في العائلة، الذي لم يشبع من حنان الأب فلم تمكنه الأيام من البقاء معه كثيرا، فظلت صدمة ما بعد الوفاة عالقة في ذهنه، يستدعيها كلما خطر على باله الوالد أو وقع في شدة: «بابا اتوفى وأنا صغير وكنت محتاج له»، قالها خالد معبرا عن لحظة فارقة في حياته فقد فيها والده الذي كان بمثابة صديق مقرب له، فقرر أن يخرج تلك الحالة من عقله إلى الواقع ليرسمها في لوحات يشارك بها الآخرون في الحزن والاحتياج الذى ينتابهم جراء حالة الفقد: «حبيت أوصل حالة الحزن الموجودة في كل بيت لما حد بيموت وإنه مهما عدت السنين حالة الاحتياج بتفضل دايمة».
بالدموع والشجن رسم خالد الحزن الذي سيطر على العائلة في 3 لوحات ولونها بألوان زيتية، وأن تكون جزءا من مستقبله فكانت فكرته لمشروع تخرجه من كلية الفنون الجميلة التي حلم الوالد أن يلتحق بها نجله، لكن الأيام لم تمهله ليراه فيها، قائلا: «كنت عايز أعبر حالي أنا وأمي وقت وفاة والدي، ولما دخلت الكلية فكرت ارسم الشعور ده في لوحة»، مضيفاً أن والده كان يشجعه على الرسم منذ الصغر فكانت تلك اللوحات هي الأهم في حياته رغم مخاوفه من رد الفعل: «كنت قلقان لكن فى نفس الوقت حبيت أعمل ده»، إلا أنه وجد العكس فانبهر الأساتذة باللوحات ورحبوا بالفكرة وأبدوا إعجابهم الشديد بها: «المشروع حكمه أستاذه من كليات الفنون الجميلة بالزمالك والإسكندرية والمنيا والأقصر، وخدت فيه امتياز بنسبة 98%»، كما حصل على بكالوريوس الفنون الجميلة بتقدير جيد جدا.
تجسد اللوحات الثلاثة حالة الصدمة التي عاشتها الأسرة، ففي اللوحة الأولى تجلس الأم على كرسي واضعة يدها على رأسها حزينة لا تبالي وخلفها صورة زفافهما على الحائط وأمامها «طبلية» غير متناسقة جمعت بين طبق واحد من الطعام وحب رمان وأكواب وأبريق شاي، وعلى الكرسي المجاور لها صورة للزوج وطرحة عقدت على طرف الكرسي، وكأنه حزن لرحيل من كان يجلس عليه، والابن يحمل في يده أرغفة العيش لكنها غير عابئ بالطعام وينظر بتركيز شديد لصورة الأب، حتى قطط المنزل شاركته تلك الحالة وجلست تراقب الوضع في صمت، موضحا: «اللوحة دي عبرت عن حالة الصدمة والتوهان والاحتياج».
أما اللوحة الثانية فجمعت الأبطال الأربعة للقصة، وهم جالسون بالقرب من بعض فى حجرة كل منهم خلا بنفسه رغم تواجدهم معا، لا حديث بينهم أو نقاش يتشاركون فقط الحزن الذى بدا من ملامحهم أعينهم وسكونهم، وخصت اللوحة الثالثة الجدة والحفيد الأصغر، وقد أمسكت بيدها ثمرة الرمان لتعطيها له بينما هو شاخص بصره إلى أعلى صوب لوحة والده والأسى يملاء وجهه: «كنت عايز أبويا يشوف نجاحي وحلمه بيتحقق فيا».
وعقب وفاة الأب، حرصت الأم على تشجيع ابنها على الرسم وتنمية مواهبه، فكانت بالنسبة له أب وأم في وقت واحد: «ما كانتش مخلياني محتاج حاجة».
وحقق خالد نجاحات كبيرة حيث حصل على الجائزة «الأولى بمسابقة نور للرسم بكلية الفنون الجميلة فى المنصورة، والتشجيعية بمسابقة الفن بجامعة بدر مرتين»، ومقتنيات شخصية بولندا 2020، وحصد المركز الأول في «مهرجان إبداع 8 في الجرافيك، ومسابقة إيجى تالنت»، واقتناء بنك سي أي بي الدولي 2019، ويتمنى أن يكون شخصية خاصة، ذو طابع مميز في الرسم: «عايز أكون نفسي».
تعليقات الفيسبوك