محمود أبو حبيب يكتب: كيف نحميهم من التحرش؟
محمود أبو حبيب
طرفا القضية أحدهما مخطئ مستحق للعقاب والآخر مظلوم بفعل صادر من الأول عائد عليه بنبذ مجتمعي، وإذا كان الطرفان مختصمين في فعل مشين أضر بأحدهما وجر على صاحبه المساءلة والعقاب، لكنهما ملتقيان في حاجة المجتمع إلى الحماية من هذا الفعل المشين، فإذا كان المتحرش به يحتاج إلى حماية من تصرف وسلوك مشين، فإن المجتمع يحتاج إلى اقتلاع هذا الوباء المستوطن بداخل المتحرش.
هذه البداية لا تعد تعاطفًا مع المتحرش؛ لكنها تعاطفًا مع مجتمع يعاني من وباء فتاك، فالأمر لم يعد طفيفًا؛ فقيدت الحرية وانتهكت الخصوصية، وفقد البعض أمانه وتأذت نفسيته بسبب فعل إجرامي وقع عليه أو خشية أن يصيبه، لكن الشخص القائم بهذا الفعل المنبوذ بعيدًا عن كونه مستحق للعقاب نتيجة فعلته، لكن المجتمع يجب أن تناله منا حالة من الوعي، توجب اقتلاع جذور هذا المرض، إذا ما أقررنا أن التحرش هو شكل من أشكال الانحرافات السلوكية التي تطرأ على سلوك الإنسان وليس شيء فطري جُبلت عليه تركيبته البشرية.
فإذا كنا نتفهم نظرة المتحرش به لهذا الفعل أو السلوك الإجرامي، ورفضه القاطع له من حيث كونه مصدرًا للخوف وعدم الاحساس بالأمان وفقدان الرغبة في الانخراط في بعض الأوساط المجتمعية مع تقييد حريته في بعض المواقف، وفقدان الثقة في كل من هو غريب عنه، بالإضافة لحالة القلق والرعب داخل الأسرة خشية أن يتعرض أطفالهم وبناتهم لأي شكل أو أسلوب من التحرش، لكن بقيت أيديولوجية المتحرش السلوكية والأخلاقية: ما هي دوافعه للقيام بمثل هذا الفعل؟ وما هي التبريرات التي يسوقها لعقله ليقنع نفسه أن تُقدم على ذلك؟ نظرة مشفقة لمجتمع يحتاج لأن نحميه باقتلاع هذا الانحراف السلوكي، تقابل نظرة التعاطف للمتحرش به لتحميه من غيره وفي كلا النظرتين رحمة.
المجتمع الذي يرفض ويجرم الأفعال التي تُحدث خللاً في تركيبته وتهدد نسقه الاجتماعي المنضبط، يجب أن يستأصل الدوافع التي أدت إلى هذا الفعل، فعالم اليوم أصبح سهلًا أن يجوبه الشخص وهو في مجلسه، فهل تساءلنا ما يمكن أن يحدثه أصحاب السلوك المنحرف في عالم الانتشار السريع للأفكار، في عالم تلاشت فيه كل قيود التواصل، ولو كنا ندرك جيدًا هذا ما هي الاستعدادات التي لدينا، ومن هم الأشخاص والجهات المنوط بها هذا العمل، بات من الضروري أن يتحلا الجميع بالمسؤولية تجاه مجتمعه وتجاه الأخرين.
نُقر ونطالب بالعقاب الرادع لحماية جسد المجتمع من هذا النهش المتكرر في قيمه وأخلاقه، لكن يجب ألا يقتصر الأمر على العقاب، وأن يكون هناك خطة استباقية لتوعية الضحايا ودعمهم، بتنا في حاجة ماسة أن نقتلع هذا الوباء من جسد المجتمع وأن نناقش هذه القضية على نطاق ممتد، بدايًة من رفع الحرج لدى الأسر لمناقشة مثل هذه القضايا مع أطفالهم لتزرع فيهم وازع قيمي وأخلاقي يشكل لديهم مقاومة داخلية ضد هذا الوباء وغيره من الأوبئة الأخلاقية الأخرى، وأن يتضمن الجدول الدراسي حصة عملية يتم تطبيق التعاليم الأخلاقية الموجودة بالمناهج، تتيح لهم الحوار والتساؤل حول ما يدور في أذهانهم حتى لا يصطدموا بواقع مغاير عما تم دراسته، أصبحنا في حاجه أن تُضمن النقابات والأندية ضمن أنشطتها صالونًا يناقش هذه الانحرافات ويوضح اضرارها المجتمعية، فضلًا عن الدراما التي تحمل عبء غرث القيم في نفوس المشاهدين.
إذا كنا نفتقد إلى ثقافة الاعتراف بالخطأ احيانًا لكننا في حاجه ماسة وضرورية أن يمتلك الأشخاص الذين لديهم رغبة في أي شكل من أشكال الانحرافات السلوكية الشجاعة في البحث عن علاج أو مخرج من دائرة الخطأ، من خلال النقاشات والحوارات التي تتم للتوعية بمخاطر التحرش والتحذير من خطورة الانحرافات السلوكية، وعلى المجتمع أن يساعدهم في ذلك، مع توافر أساليب التقويم المناسبة حتى يبرأوا من هذه الدوافع فيبرأ المجتمع من جرائمهم.