أعادت الحلقة الرابعة من مسلسل الاختيار ذكرى أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، وكأنها تفتح جرحاً أغلق على قيح لتُنظفه وتُطهره.. فيعرف الناس حجمه وأسباب حدوثه من الأساس.. لقد عايشت أحداث الاعتصام مهنياً، وكان ما يشغلنى دائماً هو مسئولية قادة الإخوان المسلمين عما حدث لكوادر الجماعة وأعضائها القاعديين، ودفع القادة لهم للصدام والموت.. لقد استخدمت الجماعة مجموعة من المحرّضين الجماهيريين على منصة رابعة، كان أبرزهم الداعية الإخوانى صفوت حجازى، الذى صعد إلى منصة رابعة، ليقول للجماهير إنه رأى الرئيس الإخوانى محمد مرسى فى منامه، وإنه قال له أنا لن أعود إلا بالدم!! وإنه لا بد أن تسيل دماء كثيرة حتى أرجع!! ولولا أننى سمعت هذا الخطاب بنفسى على شاشة «الجزيرة» لما صدّقت أن أحداً يملك كل هذا القدر من الخسّة والدناءة ودفع البسطاء إلى الموت، تحقيقاً لمكسب سياسى.. ولو دقّقنا فى هذه الرؤية الكاذبة، فستجد أن صاحبها لا يحضّ جمهوره على الاعتصام السلمى مثلاً.. أو التظاهر.. لكنه يطلب منهم (الدماء)، ومزيداً من (الدماء) ويحضّهم على الصدام ثم الانتحار.. الذى هو نتيجة طبيعية للصدام مع قوات تنفيذ القانون التى ستُمارس حقها فى الدفاع عن نفسها.
أما النّقطة الثانية، التى كنت أحب أن يبرزها المسلسل، فهى رفض قيادات الإخوان الكثير من الوساطات التى قام بها شخصيات مصرية وعربية، وكانت تعطيهم الفرصة لفض الاعتصام بطريقة سلمية، والانصراف إلى بيوتهم، ولكنهم رأوا أن يُصعّدوا الصدام، ليتاجروا بالضحايا الذين سيقعون ضحية لهم، وكانت وجهة نظرهم أن سقوط ضحايا سيُضاعف الضغط الدولى على الدولة المصرية، ويغير الوضع، وهو رهان خاب مثل كل رهانات الإخوان الفاشلة.
ثالثاً: كشف موقف الجماعة من الفضّ الارتباك فى عقل الجماعة وعجزها عن مدارة التناقض بين ما هى عليه فعلاً وبين ما تدّعيه.. فهى تدّعى أنها جماعة سلمية إصلاحية، ولكن واقعها أنها جماعة إرهابية تؤمن بالعنف والجهاد والموت فى سبيل حقها فى الحكم الذى تعتبره حقاً مقدّساً.
رابعاً: تحليل مضمون ما كان يُقال على منصة رابعة يكشف أن الأغلبية الساحقة من خطابات محرّضى الإخوان للجماهير تتحدث عن مفاهيم (الجهاد) و(نصرة الإسلام) و(مرسى هو الإسلام) وليس عن مفاهيم سياسية، أو ما ادّعاه الإخوان من دفاعهم عن الديمقراطية.. والمعنى أنهم كانوا يدفعون الناس للموت، بحجة الدفاع عن الإسلام، وليس للحياة وقبول الخسارة السياسية.
خامساً: كان لا بد أن يدفع قادة الإخوان قواعدهم للموت، لأن (المظلومية) و(المحنة) هى إحدى آليات بقاء الإخوان خلال هذه السنوات، وهو ما يجعلهم يقدمون أنفسهم للناس كأصحاب رسالة إلهية، وليس كفريق سياسى عادى يتساوى مع غيره من أصحاب الآراء السياسية.
سادساً: زرع حسن البنا هذا المفهوم فى أذهان أعضاء جماعته منذ وقت مبكر، حين قال لهم إنهم أصحاب رسالة وإنهم سيُسجنون وتُصادر أموالهم.. إلخ، وكان ذلك قبل أى صدام للجماعة مع الدولة المصرية.. وهو يكشف أن صدامهم أو سعيهم للصدام هو عقيدة زرعها «البنا» فى لاوعى الجماعة أو فى وعيها، وأكدتها تصرفاتهم فى ما بعد.
سابعاً: بسبب الطبيعة الإرهابية للجماعة، فإنها سعت فى ما بعد يناير ٢٠١١ إلى التحالف مع التنظيمات الإرهابية الخارجة من عباءتها، ومع التيارات التكفيرية داخل الجهاد والجماعة الإسلامية، باعتبار أن الجماعة هى الإسلام، ومن الوارد أن هؤلاء من تولى إدخال السلاح إلى رابعة واستخدامه بأمر من قادة الجماعة، وبتمويل وتحريض منهم.
ثامناً: من المهم جداً التوقف أمام شهادة الإخوانى أحمد المغير عن وجود سلاح كافٍ لإيقاف أحداث الفض من وجهة نظره وأن قيادات الجماعة سحبوه قبل فض الاعتصام بيومين، وحديثه عن تشكيل مسلح احتفظ أفراده بسلاحهم، وأطلقوا النار على الشرطة حتى قُتلوا.. والسؤال الآن هل نحن هنا أمام اعتصام سلمى أم أمام حرب شوارع أهلية؟ وهل الضحايا هنا ضحايا (الديمقراطية) كما تدّعى الجماعة.. أم إرهابيون كانوا يريدون نقل السيناريو السورى إلى مصر؟
تاسعاً: إننى أؤمن أن أحداث الفض وما ترتب عليها كان شراً لا بد منه، ولا بديل عن وقوعه، وأن المخطط كان دفع مصر إلى السيناريو السورى، وهو مخطط دعا له الإخوان وكانوا يريدون تنفيذه لو تمكنوا أو أتيحت لهم الفرصة.
عاشراً: حمى فض رابعة مصر من شر عظيم ونزع فتيل صراع كان سيودى بالأخضر واليابس، ويرجع الفضل فى حسم الصراع وبدء مرحلة الاستقرار إلى الشعب المصرى العظيم ومؤسسات الدولة المصرية العظيمة، فلها ولشعب مصر كل التحية والتقدير.
وائل لطفى يكتب: