فى الفترة الأخيرة لم يتوقف الفنان محمد رمضان عن استفزاز من حوله، بل إنه وصل إلى القمة بصورته الشهيرة تلك فى دبى، ومثل غيرى أصبح لدىّ حاجز نفسى تجاه «رمضان» الذى يرى فى نفسه دائماً أنه «نمبر وان»، وحقيقةً لا أعرف إذا كان ما يقوم به من تصرفات محسوباً أم لا؟
ولكن من باب العمل ومتابعة ما يُعرض من مسلسلات رمضانية تتنافس على جذب أكبر عدد من المشاهدين، كان علىّ أن ألقى نظرة وأشاهد الحلقة الأولى، فإذا كانت التيمة المعهودة التى يقدمها «رمضان»، فسيكون قد وفّر علىّ الكثير، هكذا تحدثت إلى نفسى، رغم ثقتى تماماً فى فريق العمل خلف الكاميرا، بدءاً من كاتب النص ناصر عبدالرحمن، والمخرج الموهوب محمد سلامة الذى يعشق عمله ودائماً ما يعمل على تطوير نفسه ولكن للحق كانت تلك النظرة أو الحلقة الأولى كفيلة بأن تجعلنى أتابع المسلسل بشغف، ومع أول مشهد تساءلت عن صانع كل هذا الجمال البصرى، الذى ذكّرنى مباشرة بكبار مديرى التصوير المبدعين فى السينما المصرية ومنهم محسن نصر، وطارق التلمسانى، كانت الصورة البصرية الثرية التى تحاكى لوحات الفن التشكيلى، والإضاءة المحسوبة بفن وفهم ووعى لطبيعة الشخصيات والمكان والفترة الزمنية، والفهم العميق للضوء ومصادره ليس ذلك فقط، بل إضاءة الشخصيات نفسها تماشياً مع التطور الدرامى لكل شخصية وصراعها طبقاً للخط الدرامى المرسوم لها (مشاهد موسى مع حبيبته، مشاهد الجبل، داخل منزل موسى، مشهد مقتل رويعى، الطائرات وهى تقصف وشهاب باشا يجلس على النيل، مشهد عودة ابن القرية من المعركة) لم تفلت تفصيلة من مدير التصوير «محمد مختار» أو «ميخا»، كما يناديه أصدقاؤه المقربون، ولا أنكر أننى أصبحت أنتظر حلقات «موسى» لأستمتع بتلك الحالة الفنية المميزة، والتكوين البصرى البديع والدقة والإبداع فى تصميم الأزياء للدكتورة سامية عبدالعزيز، والديكور واختيار أماكن التصوير بعناية فائقة، مع نجوم فى أفضل حالاتهم، معظمهم بمن فيهم عدد من الوجوه الجديدة ومنهم الفنان الشاب الموهوب الذى جسّد دور «رويعى»، والفنان محمد محمود جسّد دور الشاب العائد من الحرب أو بالأحرى من الموت حاملاً على صدره آخر ما تبقى من شباب قريته الذين حاربوا مع الإنجليز ضد هتلر، حتى تارا عماد، التى عادة ما تؤدى أدواراً قريبة الشبه من بعضها فى هذا العمل تبدو مختلفة وتبذل مجهوداً فى تجسيد دور الصعيدية، ابنة العمدة، تحت قيادة مخرج واعٍ.
والحقيقة أن أهم درس نخرج به ونحن نتابع مسلسل «موسى» هو أن السيناريو هو أساس العمل، وهناك كتابة درامية حقيقية عن فترة زمنية تكاد تكون غير مطروقة فى الدراما المصرية، حيث تدور الأحداث فى قرية «مصالحة» بمحافظة سوهاج فى صعيد مصر عام 1942، حيث «موسى» ابن عائلة صالحين والذى يعمل فى الحدادة ويكافح فى الحياة ويقع فى غرام ابنة العمدة التى تجسدها «تارا عماد» وتنقلب الأحداث عندما يأتى الإنجليز إلى القرية ليأخذوا شباباً من القرية بالاتفاق مع العمدة و«شيخ الغفر» للحرب فى الصفوف الأمامية معهم ضد هتلر، وكيف يحاول «موسى» أن يأخذ مكان شقيقه «رويعى المبروك»، تلك المرحلة بصراعاتها وتحول «موسى» إلى خط الصعيد، بعد أن خسر شقيقه وحبيبته وأمانه وأصبح «موسى» يسرق من الإنجليز وأغنياء القرية ليعطى الفقراء، تلك المرحلة التاريخية، حيث هناك وقائع وأحداث منشورة فى الجرائد قديماً صاغها كاتب محترف هو ناصر عبدالرحمن يعرف كيف يبنى شخصيات ويصيغ علاقات وخطوطاً درامية متشابكة، وكل خط بل كل شخصية مرسومة بعناية ودقة، مع جمل حوارية معبرة عن حال الشخصيات، لذلك لا تشعر بأن بطل العمل هو فقط المستأثر بالمشاهد بل جميع الشخصيات، والحقيقة أن «رمضان» يقدم واحداً من أهم أدواره كممثل وفى ظنى أن هذا ما أعطى لنجوم العمل وراء الكاميرا فرصة للعمل باحترافية وجدية على كل التفاصيل.
تلك الحالة الإبداعية لم تكن ستقدم بهذا الشكل المتميز دون وجود مخرج موهوب يعرف جيداً كيف يدير ممثليه ونجومه ويختار عناصر العمل فنياً ويملك رؤية بصرية وفنية واضحة، بل إنه سيخرج من شهر رمضان منافساً لكبار نجوم الإخراج.