مصابو أوتوبيس شرم الشيخ يروون حكايات «النجاة من الموت»
3 شباب ذهبوا إلى شرم الشيخ من أجل لقمة العيش، تكسو وجوههم الملامح الريفية التى شوّهتها الكدمات والسحجات، بينما تمتد الجروح والكسور التى تختفى تحت طبقات الشاش الطبى والجبس الأبيض إلى أجزاء متفرقة من أجسادهم النحيلة. لا يعرف أى منهم الآخر، جمعهم «الأوتوبيس» التابع لشركة «حورس» المتجه من شرم الشيخ إلى طنطا والذى اصطدم بأوتوبيس شركة «الجونة» المقبل من القاهرة، فى منتصف الطريق، بين مدينتى الطور وشرم الشيخ منتصف ليلة أمس الأول الجمعة.
يمتهن الثلاثة الذين لم تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاماً مهناً مختلفة فى قطاع السياحة، كانوا فى طريقهم إلى بلدتهم فى إجازة قصيرة لأيام معدودة، لكن القدر لم يمهلهم، إذ نقلتهم سيارات الإسعاف إلى مستشفى الطور العام، حيث يقبعون بالطابق الثالث فى الغرفة التى تحمل رقم 12 كما هو مدون على بابها، استقروا فيها بعد استقبالهم بقسم الطوارئ، حيث أجريت لهم الإسعافات الأولية بحسب الدكتور أحمد عبدالرحمن الطبيب بقسم الاستقبال بالمستشفى.
«حسام حسن، كسر فى المفصل»، كلمات دُوّنت على سوار بلاستيكى أزرق اللون يرتديه الشاب الذى تجاوز عامه العشرين بقليل فى معصم يده اليسرى، يروى حسام وقائع الحادث لـ«الوطن»: «كنت نايم فى الأوتوبيس، جاى من شرم الشيخ ورايح على طنطا، صحيت على انقلاب الأوتوبيس وصوت الناس وهما بيصرخوا».. أكثر من 10 دقائق لم تتضح فيها الرؤية أمام حسام، توقع أن يكون ما حدث عملاً إرهابياً، نجح فى الخروج من شبابيك الأوتوبيس المقلوب، ثم راح يساعد فى إخراج من بداخله: «الناس اللى خرجت سليمة هى اللى بدأت تنقل المصابين لحد ما الإسعاف وصلت بعد نصف ساعة تقريباً». وصل الجميع إلى المستشفى، وبعد توقيع الأطباء الكشف على حسام، انتهوا لتشخيص حالته بأنه يعانى من كسر فى مفصل اليد اليمنى وكدمات فى الوجه واليد اليسرى، كما هو مذكور فى تقريره الطبى.
بملامح الحزن وابتسامة ذات مغزى يتذكر حسام الحديث الذى دار بينه وبين زميله الذى يعمل معه بأحد فنادق شرم الشيخ: «أنا كنت زعلان من محمود إنه قطع تذاكر لنا فى آخر الأوتوبيس، وكنت بقول له ما لقتش غير كرسى 35 و36، لكن بعد الحادث حمدت ربنا لأن الناس اللى كانت قدام ماتت كلها»، وعن حالة صديقه الذى كان يجلس بجواره يقوله إنه يعانى من نزيف فى المخ وتم نقله إلى مستشفى شرم الشيخ: «عرفت إن حالته مستقرة بعد ما اتصلت بيه واتطمنت عليه».[SecondImage]
يقطع الحديث صوت رنين هاتف حسام، يستقبل مكالمة من والدته: «أيوه يا حاجة، أنا كويس الحمد الله، وهاجى بكرة البلد، ما حدش منكم ييجى»، يتناوب أفراد أسرته الحديث معه والاطمئنان عليه، وينهى الحديث معهم بابتسامة تختفى معها ملامح الحزن من على وجهه، قائلاً: «أصل أنا مانزلتش البلد من شهر ونص، وكنت نازل إجازة وهما كانوا فى انتظارى».
على السرير المقابل راح مسعد عبدالله فى سبات عميق، ربما هرباً من ألم جسده الذى لم يهدأ بعد، الحركة المحدودة داخل الغرفة كانت كفيلة بإيقاظه من نومه، يترقب ما يدور فى أروقة الغرفة، تطلب منه الممرضة الاستعداد للتغيير على جرحه. يقول مسعد، المقبل من إحدى القرى المجاورة لمدينة المحلة الكبرى، إنه أنهى عمله فى رحلات السفارى مساء الخميس الماضى استعداداً للسفر إلى بلدته فى إجازته المعتادة كل شهر تقريباً لزيارة أسرته، لم تختلف عملية الحجز وصعود الأوتوبيس عن المرات السابقة التى تعوّد فيها السفر، باستثناء تغيير المقعد الذى كان يقبع فيه، فهذه هى المرة الأولى التى يجلس فيها بجوار الشباك فى المقعد الأخير بالأوتوبيس، وأثناء جلوسه تعرّف على من يجلس بجواره، دار بينهما حديث عن العمل فى شرم الشيخ والسياحة وأحوال البلاد، ليقطع حادث التصادم الحديث بين الجارين ويسقط مسعد فى غيبوبة غير مدرك لما يدور حوله: «ما حسيتش غير بالمسعف وهو بيحاول نقلى»، قبل الوصول إلى المستشفى بفترة قليلة قدرها بـ5 دقائق.[ThirdImage]
يتساءل الشاب ذو البشرة السمراء عن مصير جاره الذى كان يجلس بجواره فى الأوتوبيس، وهل ما زال على قيد الحياة أم لا، لكنه لم يجد إجابة تشفى صدره، خاصة أنه لم يتذكر غير اسمه الأول. «لحد دلوقتى ماحدش يعرف عنى حاجة فى البيت، وأنا مش عايز أقول لهم علشان ما حدش يقلق عليا»، بهذه الكلمات تحدث مسعد ذو الـ28 عاماً عن أسرته التى تتكون من والدته وشقيقاته الثلاث، قائلاً: «أنا هخرج بكرة من المستشفى وهروح لهم وأطمنهم، كده أفضل ما يعرفوا إنى عملت حادثة وفى المستشفى».
وبصعوبة بالغة يتحدث عمر ياسين، ثالث عضو بالغرفة التى يقبع فيها المصابون فى حادث تصادم الحافلتين، فالجرح لم يلتئم بعد، ولم يهدأ الألم.. «مش قادر أتحمل دراعى»، هكذا يتحدث عمر إلى شقيقه الأكبر أحمد الذى جاء إليه من المحلة بعد علمه بالحادث: «أنا عايز دكتور أو أى ممرضة من بره»، تمر دقائق معدودة يعود بعدها شقيقه أحمد برفقة طبيب العظام الذى يتفحص الجرح بيده، ثم يطلب من الممرضة نقله إلى غرفة الأشعة، وعلى كرسى متحرك يخرج من الغرفة»، يغيب عمر وشقيقه أحمد برفقة الطبيب والممرضة ما يقرب من 15 دقيقة، لتكشف الأشعة وجود كسر فى الذراع اليسرى، يقول الطبيب إنه سيعالجها بتركيب جبيرة.
وفى نهاية الزيارة التقت «الوطن» بالدكتور محمد لاشين، وكيل وزارة الصحة بجنوب سيناء، الذى أكد أنه بمجرد وقوع الحادث صدرت تعليمات لجميع العاملين بالمستشفى، أطباء وأطقم تمريض وعمال، برفع حالة الطوارئ، استعداداً لاستقبال المصابين، وتم استقبال 6 مصابين، خرج منهم 3 حالات بعد إجراء الإسعافات الأولية لهم، فيما يتبقى بالمستشفى 3 حالات أخرى لا تزال تخضع للعلاج.