رفض مجلس الشيوخ، يوم الاثنين الماضى، مشروع قانون تقدمت به الحكومة المصرية، ممثلة فى وزارة التربية والتعليم، لتطوير نظام الثانوية العامة المصرية.
يعتمد مشروع القانون على أساس تعديل نظام المرحلة الثانوية العامة ليصبح بنظام الثلاث سنوات، بحيث يُحتسب المجموع الكلى وفقاً لدرجات الطالب فى نهاية كل سنة دراسية من السنوات الثلاث، ويتيح له دخول أكثر من محاولة فى امتحان نهاية العام فى كل سنة دراسية، تكون المرة الأولى فقط بدون رسوم والباقى برسوم -دون تحديد لقيمة الرسوم المقررة لدخول الامتحان أكثر من مرة- وتكون الامتحانات إلكترونية من خلال نظام التابلت.
قرأت حيثيات رفض لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس الشيوخ لمشروع القانون على لسان رئيس اللجنة النائب نبيل دعبس، حيث قال إن تطبيق النظام التراكمى فى الثانوية العامة لا يتناسب مع ظروف الأسرة المصرية، وإنه يضعها تحت ضغط نفسى وعصبى، وإن اللجنة تفضل أن تكون شهادة الثانوية العامة سنة واحدة، على أن يدرس الطالب خلالها 6 مواد، يمتحن فى 3 مواد بالترم الأول، و3 مواد بالترم الثانى.
أعتقد أن الخلاف بين وجهتى النظر -الحكومة والشيوخ- يتعلق بفهمنا كمجتمع لمهمة التعليم والهدف منه والمسئولية عنه، فالتعليم مهمة دولة عليها توفير فرصة ومناخ التعلم بما فى ذلك من بنية تحتية ومدرسين ومناهج تواكب التعليم فى العالم، فى ذات الوقت فإن الهدف من العملية التعليمية ليس الشهادة والمجموع لتخرج لنا أجيالاً لا تناسب احتياجات السوق، أو تردد أنهم يعملون فى مجالات لا علاقة لها بدراستهم أو أن ما تعلموه شىء بينما ما يمارسونه شىء آخر، فكل تلك العبارات لا تعبّر إلا عن إهدار المال العام فى عملية لا تسعى لخلق منتج إنسانى يمتلك المهارات الفكرية والقيمية والعملية. أما مسئولية التعلم فهى مسئولية مواطن عليه أن يدرك أهمية امتلاك العلم، فيسعى له بفهم لما يسعى له فى الحياة، لا أن يصمّ ملازم ومذكرات لينقلها لورقة الإجابة بالغش الذى يمارسه 85% من الطلاب فى امتحانات تكلف الدولة -وفقاً لتصريحات الوزير- ملياراً و300 ألف جنيه لمواجهة ظواهر الغش! والنتيجة فقدان الدولة لقدراتها التنافسية فى مجال التعليم على مستوى العالم، وإنتاج مواطن تعلم الغش كوسيلة نجاح، فيكون طبيباً ومهندساً ومدرساً ومحامياً وعاملاً وصحفياً غشاشاً!
ما أعنيه أن الرغبة فى التعلم مسئولية فردية تسعى لمنح الإنسان حالة من التميز فى الحياة، وليست مساراً إجبارياً يفرضه التنسيق، ولا مراكز للدروس الخصوصية تكلف المصريين ما يقرب من 20 مليار جنيه سنوياً بينما يتمسكون بمجانية الدراسة فى المدرسة فيما يشبه حالة الفصام النفسى!
نحتاج لتقريب وجهات النظر بين الوزارة والنواب والمجتمع بمفاهيم تؤكد شراكتنا فى مستقبل يصنعه التعليم، فالعالم يخوض عراك ثورته الرابعة فى التكنولوجيا التى تُفقد البشرية 5 ملايين وظيفة سنوياً منذ 2020. لا يمكن الحديث بلغة الماضى مع المستقبل، فعلتها الهند ذات المليار و300 مليون نسمة، فصنعت قاطرة وهى تدرك أنه لن يركبها إلا المتميزون، ولكنها أتاحت الفرصة للجميع ومن يريد الركوب بها فعليه إثبات جدارته.