إذاعة القرآن الكريم من القاهرة يشتاق لسماعها الملايين فى الوطن العربى، تلاواتٌ قرآنية تملأ القلوبَ نوراً وسكينة بصوت كبار الشيوخ المصريين، وابتهالاتٌ دينية ترقق القلوب، وبرامجُ متنوعة، وعددٌ من المذيعين يتناوبون فى سلاسة ويسر، ويسلمون بعضهم بطريقة سلسة، يتواصل فيها إبداعهم صوتاً وأداء ولغةً.
تألقت إذاعة القرآن فى اختيار البرامج التى تناسب الصباح، والبرامج التى تناسب الظهيرة، والبرامج التى تناسب المساء، ولعل الفترة الصباحية التى تبدأ من بعد صلاة الفجر حتى الثامنة والنصف صباحاً صارت تراثاً دينياً روحانياً، من خلال التلاوات القرآنية، وبرنامج «بريد الإسلام»، وحديث الصباح، وتلاوة الشيخ محمد رفعت، و«تسابيح»، وبرنامج «فى ظلال الهدى النبوى»، وخاطرة الشيخ الشعراوى، وغيرها.
لا أجد عبارات تناسب تقديرى للإذاعة الكريمة، ولن أضيف جديداً، فالكل يشهد للإذاعة الأقدم فى العالم بين إذاعات القرآن الكريم، التى لا يخلو منها بيت، وحفاظاً على الإذاعة وثوبها النقى فإننى هنا أشير إلى سقطتين وقعتا فى هذا الأسبوع نتمنى عدم تكرارهما:
السقطةُ الأولى: وقف عندها أحد المتخصصين فى علم الحديث من أن أحد المذيعين ذكر حديثاً، ثم قال: (صحَّحه العلامة الألبانى)، ولعل سائلاً يقول: وما المشكلة؟ أوليس «الألبانى» من علماء الحديث؟! والجواب: إننا لا ننظر إلى «الألبانى» باعتباره عالم حديث يخطئ ويصيب كغيره، بل إن «الألبانى» صار رمزاً لمدرسة لها اختياراتها (الشنيعة المتطرفة) فقهياً وعقدياً وأصولياً وحديثياً، ومن ثَمَّ فإن ذكره فى إذاعة القرآن لا يصح، لأن هذه الطريقة تصنع منه مرجعية لدى السامع (خالى الذهن)، وهو أمر مرفوض، لأن آراء «الألبانى» تمثل اعتداءً صارخاً على منهجية الأزهر الشريف، فهو -مثلاً- يقوم بتبديع منهج الأشاعرة، وإذا كان الأزهر يضع الأهمية القصوى لعلم (أصول الفقه)، فإن «الألبانى» يراه (صنماً يجب تحطيمه)!!
السقطةُ الثانية: أن سائلاً طلب ترشيح كتاب فى الفقه، فرشحوا له كتاب (فقه السنة) للشيخ سيد سابق، وهو عالمٌ أزهرىٌ فاضل، كان عضواً فى الهيئة التأسيسية للإخوان، قبل أن يترك الجماعة، ولكن الشائع المغلوط أنه استمر إخوانياً، لذلك عملت الجماعة على التسويق لكتابه، فضلاً عن أن الذى قدَّم للكتاب هو حسن البنا، فالأمر فى باطنه تأسيس لمرجعية الإخوان.
والأهم أن أزهريين حذروا من الكتاب، وكتب الأستاذ مصطفى الطرابلسى (منهج البحث والفتوى فى الفقه الإسلامى بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين.. سيد سابق والقرضاوى نموذجاً)، وعلم الفقه لا يؤخذ من الكتاب والسنّة فقط، وأما فقه الحديث فهو خاص بالاستنباط من الكلام النبوى، ويجتمعان فى أحاديث الأحكام، وبما أن كتاب (فقه السنّة) موضوعه علم الفقه وليس أحاديث الأحكام، فالخلل حينئذ كبير، لأن علم الفقه لا يُستخرج من السنّة المشرّفة وحدها، وفى الكتاب -كما يقول العلماء- أهمل المؤلف الإجماع والقياس، وأركان الاستنباط (انظر باب سجود السهو مثالاً)، وخلاصة القول أن كتاب (فقه السنّة) مخالف لمنهجية الأزهر فى تعليم الفقه، والتبس أمره، فلا ينبغى لضيف الإذاعة أن يدعو له، مع وجود بدائل كثيرة.