هل هى مصادفة أن تتم السيطرة على ماء الفرات، فيعانى أهل العراق وسوريا العطش والجفاف، ويكون السعى للتحكم فى مياه النيل ليعانى أهل السودان ومصر المصير ذاته؟ أم هى مجرد خطوات فى منطقة تعانى التصحر وتخشى خطر حرب المياه منذ سنوات عدة؟
تحمل الإجابة الاحتمالين: السيطرة من جانب دول ترتبط بالكيان الصهيونى منذ سنوات طويلة كتركيا وإثيوبيا، مع الرغبة فى توفير المياه فى عالم تنضب مياهه العذبة مع تغير المناخ. ولكن يبقى للاحتمال الأول النسبة الأكبر فى تفسير المشهد، وبخاصة مع ما يؤمن به الصهاينة منذ القدم عن دولتهم الساعين لها.. من النيل إلى الفرات.
نهر الفرات الآتى من تركيا ماراً بسوريا والعراق بات واقعه محزناً تحيط به مشاهد الجفاف فى سوريا والعراق وتوقف محطات ضخ المياه وتوليد الطاقة تباعاً، بعد قيام تركيا ببناء 22 سداً و19 محطة كهرومائية عليه بشكل منع وصول الماء المتفق عليه لكلتيهما وفقاً للمعاهدات الموقّعة بين دول النهر. تركيا تضغط بورقة الماء بعد قرارها خفض الوارد المائى من نهر الفرات من 500 إلى 200 متر مكعب فى الثانية. وهو ما يعنى، إلى جانب العطش والظلام فى هذا الصيف الحار بشدة، نقص رى الأراضى الزراعية، دون أن تلتفت أى من الدول ومنظمات حقوق الإنسان الدولية التى لا تمل من إصدار التقارير لنداءات نقص المياه فى كلتا الدولتين التى تحتل تركيا الشمال فى كل منهما غصباً وجبراً.
فى الوقت الذى تصر فيه إثيوبيا على السير فيما أقدمت على بنائه من سد فى أبريل عام 2011 ومنحته اسم النهضة، رغم كل تحذيرات الخبراء من مخاطر هذا السد الموعود بالنهضة الكاذبة على مصر والسودان وتزايد احتمالية تعطيشهم فى حال إتمام ملئه. مصر والسودان تعترضان على ملء ثانٍ للسد دون اتفاق. فنحو 90% من مياه الزراعة فى مصر تأتى من نهر النيل. ومصر لم تزد حصتها المقررة منذ العام 1959 على 55 مليار متر مكعب رغم زيادة السكان على مدار سنوات بشكل أوصلنا لتعدى حد الفقر المائى.
إذاً ليس من المصادفة السيطرة على أكبر نهرين فى عالمنا العربى وأكثر نهرين صنعا على ضفافهما الحضارة. فبالتاريخ نجد استراتيجية شد الأطراف التى أعلنها «بن جوريون» فى الخمسينات ضد العالم العربى بوجه عام ومصر على وجه الخصوص، عبر الاتحاد مع أعداء هذا العالم، وتتويجها باتفاقية الطوق والحزام الموقعة بين إسرائيل وتركيا وإيران وإثيوبيا 1959. نعم يواجه نهرا النيل والفرات حرباً صهيونية بدعم من أصدقاء التطويق لإنجاح استراتيجية فشلت أن تؤتى أُكلها فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى، ويرون أنه ربما حان الوقت لتنفيذها فى ظل ضياع العالم العربى وتساقط مؤسساته وقدراته فى الدفاع عن أمنه المتعدد على مستوى الجغرافيا والحدود والسياسة والنفوذ والمياه والأمن المائى والغذائى.
ولذا فإن كانت تركيا قد نجحت فى تعطيش العراق وسوريا إلى حد امتهان أمان الإنسان وحقه فى الحياة، فإن مصر لن تسمح بتحقيق هدف أضلاع الاستراتيجية أياً كانت الوسيلة.