حين غنى المطرب الشعبى الراحل «شعبان عبدالرحيم» قائلاً: «أنا بكره إسرائيل» نقل أغنيته دون دراية من «الشعبية» إلى «الشعبوية»، بينما على المستوى النخبوى يجب ألا تكون مصطلحات مثل الحب والكره موجودة فى قاموس العمل السياسى.. الأزمة الأخيرة فى قطاع غزة أظهرت أن مصر لا تعرف فى السياسة إلا الأفعال الإيجابية، لا وقت تضيعه فى الكلام.
قامت مصر بمجهودات دبلوماسية غير مسبوقة: وفود أمنية تتحرك مكوكياً ذهاباً وجيئة.. كما أرسلت مساعدات إلى قطاع غزة تشمل وقوداً لسد نقصه فى المستشفيات تلافياً لكارثة إنسانية محققة مع قرب نفاد الوقود هناك. مع تجهيز المستشفيات المصرية لاستقبال الجرحى الفلسطينيين. كما تم الإعلان عن أن أكثر من مائة حاوية ستصل إلى قطاع غزة رافعة شعار «نتشارك من أجل الإنسانية» (65 طناً من الأدوية والمستلزمات الطبية). هذا كله فضلاً عن تخصيص 500 مليون دولار كمبادرة لإعادة إعمار غزة. ولهذا الغرض ذاته خصص صندوق تحيا مصر رقم حساب بكل البنوك المصرية، لتلقى المساهمات والتبرعات.
لا حب ولا كره فى السياسة، ولا مشاعر جامدة، ولا آراء معلبة يرسمها الإعلام: مثل أن القطاع عدو لنا، بالطبع هناك جزء من الفلسطينيين فى غزة قد تورطوا فى أعمال عدائية ضد مصر وشعبها، لكن هؤلاء مؤكد لا يمثلون شعب القطاع.
أما إسرائيل، فبيننا وبينها معاهدة سلام وُلدت بعملية قيصرية مؤلمة ودون تمهيد، ولذلك نجحت سياسياً لكنها لم تُصبح، شعبياً، مرادفة للتعاون والمشاركة والبدء من جديد. ولذلك فالصراع العربى الإسرائيلى ما زال قائماً ما دامت القضية الفلسطينية دون حل أو حتى شبه حل، وهذا هو المخرج النفسى الوحيد الذى سيجعل الشعوب العربية قابلة للتطبيع.
على إسرائيل، لو أرادت البقاء والتحول لدولة طبيعية، أن تبذل مجهودات كبيرة وأن تقدم تنازلات كثيرة، على طريق إعادة حقوق مُرضية للفلسطينيين، بما يُشعر الوسط المحيط بأن المظلمة تذوب ومستوى رضا أصحابها يرتفع.. لاحظ أن إسرائيل نفسها لم تكف منذ ثلاثة أرباع القرن عن المطالبة بحقوق ضحايا الهولوكوست النازى، فضلاً عن مطاردات الآلاف بتهمة معاداة السامية.
الشىء المؤكد الآن هو أن لا الإسرائيليين يمكنهم إلقاء العرب فى البحر ولا العرب يستطيعون حرق نصف إسرائيل، لا هذا سيحدث ولا ذاك سيُسمح به.. والمواجهة مؤجلة فى صراع فريد لا يعتمد على طرفيه بقدر ارتباطه بأطراف أخرى مؤثرة.
الأكثر تأكيداً ومأساوية أن الفلسطينيين أنفسهم منقسمون، طواعية، إلى فريقين يكرهان بعضهما فيما يقيم كلاهما علاقات متميزة اقتصادياً واجتماعياً مع إسرائيل. فضلاً عن تنامى حدة الاستقطاب حتى صرنا لا نعرف تحديداً هل نحن فى صراع سياسى أم دينى أم عرقى؟ أم هو خليط بينهما؟ تديين القضية الفلسطينية وأسلمتها أفقدها قطاعات من المؤيدين فى الوطن العربى، خصوصاً من غير المسلمين.. هى قضية وطنية حولوها زوراً لدينية عبر تديين السياسة وتسييس الدين.