جاء إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى عن مبادرة إعادة إعمار غزة عقب العدوان الإسرائيلى الغاشم الأخير، ليعبر عن شعور وإرادة غالبية المصريين تجاه القضية الفلسطينية، والدور الذى يجب أن تلعبه مصر على مختلف الأصعدة، وهو الدور المرتبط تاريخياً بواجبات كثيرة، وحسابات أكثر تجاه الأمن القومى المصرى وحسابات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
وكمواطنة مصرية، تابعت أيضاً التعليقات، والانتقادات، وربما الهجوم من قبل البعض، وهم الذين نعرف ما بداخلهم، والمخططات التى يسعون لتنفيذها لهذه المبادرة الواجبة، بحجة أن الوضع الاقتصادى لا يتحمّل المساهمة بـ500 مليون دولار فى المبادرة، وهى القيمة التى أعلنها الرئيس السيسى، إلى جانب الكثير من الحجج، وطرح البدائل لاستغلال هذا المبلغ فى أشياء أخرى، والحديث بمنطق المثل الشعبى «اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع».
وحقيقة الأمر أن المهاجمين والمنتقدين للمبادرة والمساهمة، هم الذين سيهاجمون الرئيس وأجهزة الدولة فى حالة عدم القيام بذلك أيضاً، وسنجد أيضاً هجومهم، والحديث عن تقاعس مصر تجاه فلسطين، وأنه كان يجب مساهمة مصر فى إعادة الإعمار، وأن تعتبر مصر هذه المساهمة مشروعاً من مشروعاتها السكنية، أو المستقبلية نحو حماية الأمن القومى.
وخلاصة القول فى هذه المسألة إن حالة التربّص بالدولة المصرية، وقيادتها السياسية لا تزال موجودة، لأنها مرتبطة لدى الخونة، وأنصار المخططات الخارجية بإضعاف مصر ودورها، والتقليل من إنجازاتها، والتشكيك فى كل خطواتها التى تهدف لتأمين الحاضر وبناء المستقبل، وذلك كله من أجل حلمهم بجعل مصر مثل الدول التى نجح فيها مخططهم الدنىء، ومنها دول مجاورة أصبح تأمين الحدود المصرية معها يمثل أعباءً جديدة على كاهل الدولة المصرية.
ولو تحمّل هؤلاء المنتقدون مشقة التفكير لدقائق فى هذه الخطوة التى أعلنها الرئيس السيسى لكانت الإجابة واضحة لديهم بأن استقرار فلسطين وغزة جزء لا يتجزّأ من الأمن القومى المصرى، وأن جهود الإعمار ستعود بالنفع على شركات مصرية ربما تكون فاعلة فى المشهد، ومن ثم تحريك المياه الراكدة للعمالة المصرية التى تعانى الركود فى هذا المجال منذ فترة، وكذلك إثبات مصر بأن القضية الفلسطينية فى صميم اهتمامها، ومن غير المقبول أو المتبع أن تقف مصر مكتوفة الأيدى تجاه ما يحدث.
ولعل سبق مصر فى إعلان الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار قبل ساعات من إعلان الرئيس الأمريكى نفسه عن ذلك، لهو خير دليل على الدور المصرى الذى لعبته القيادة السياسية والأجهزة المعنية نحو التهدئة، بل قدّم الرئيس الأمريكى جو بايدن الشكر للرئيس السيسى ومصر على دورها فى هذا الصدد، الأمر الذى جاء تتويجاً لجهود رجال مخلصين لهذا الوطن، ودوره التاريخى تجاه القضية الفلسطينية، وإدراك مصر خطورة عدم استقرار دول الجوار فى ظل منطقة ملتهبة، وتشتعل بين الحين والآخر بالأحداث والمتغيرات والمخططات المختلفة نحو الهدم وإرباك المشهد.
إن الذين لم يستطيعوا قراءة المشهد عليهم بذل الجهد نحو التفكير السليم، وألا ينجرفوا وراء سموم خارجية، وأهداف تيارات دينية هى فى النهاية تقف ضد كل ما هو جميل وفى مصلحة الدولة المصرية، حتى وصل بنا الأمر إلى أن مهاجمتهم وانتقاداتهم المسمومة أصبحت تؤكد لنا صدق وصحة الموقف المصرى داخلياً وخارجياً.
وليعلم الجميع أن مصر لن تتخلى عن دورها الريادى والأفريقى والعربى والإسلامى، الذى عادت إليه بقوة عقب ثورة 30 يونيو بفضل أبنائها المخلصين، ووحدة شعبها وقوة جيشها، وبسالة شرطتها، وإعادة إعمار غزة واستقرار فلسطين لا يمثل لنا ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع، كما يقول البعض، لأن فلسطين وغزة بالنسبة لمصر والمصريين الوطنيين هى البيت والجامع معاً، وستبقى مصر قوية شامخة لا تتوانى عن دورها، رغم كل الظروف، ولو كره الكارهون والحاقدون المتناسون أن الشركات المصرية التى ستشارك فى إعادة الإعمار ستنقل للأشقاء الفلسطينيين خبراتها التنموية بكل صدق وستترك بصمات عمرانية مصرية فى القطاع بما يعكس دعم مصر للشعب الفلسطينى، خاصة أن مصر لها تجربة تنموية رائدة أشاد بها زعماء العالم، وكان آخرهم الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.