ثمرة الإنسان عمره، وكل شخص عليه أن يسعى طوال الوقت حتى لا يترك عمره يذهب هباء دون أن يترك أثرا حقيقيا، مهما كان هذا الأثر بسيطا، فتلك هي البصمة التي ستدوم بين من يعرفوه أو لا يعرفونه حتى بعد رحيله، والتي بدورها كافية لأن تكون العلامة التي ستجعلهم يتذكرونه دائما، ومن هذا المنطلق تحاول إسراء ماجد صبحي، مُدرسة اللغة العربية والنحو والعلوم الشرعية، وفنانة التطريز، في تطويع ومزج كل ما هي متفوقة به، حتى تترك هذا الأثر وتخلف وراءها هذه البصمة في نفوس كل ما حولها.
«إسراء» صاحبة الـ 27 عاما، خريجة كلية الآداب قسم اللغة العربية وآدابها، والتي تسكن عاصمتنا القاهرة، يخرج من بين يديها الماهرة في التطريز وعقلها المليء بالقواعد النحوية الصعبة، أعمالًا فنية، تحاول من خلالها أن تسعد بها كل من يحب هذا النوع من الفن، وفي نفس الوقت طوعته مؤخرا في مناصرة القضية الفلسطينية، حينما قامت بعمل «طارة» تضم غالبية العناصر التي تعبر عن المقاومة الفلسطينية للكيان المحتل، وعلاوة على ذلك كتابتها عليها كلمة فلسطين بخط عربي جميل.
بداية الحكاية
تعلمت الفتاة العشرينية اللغة العربية والنحو والعلوم الشرعية بفضل دراستها الجامعية أولًا، ومن ثم التحاقها بمعهد الرحمة للعلوم الشرعية، أما التطريز فكان من خلال التجربة والتعليم الذاتي، حيث تقول «إسراء» في بداية حديثها مع «الوطن»: «الأمر نفسه كان قدريًا، ففي الفترة التي كنا نتواجد فيها في البيت جراء وباء كورونا، رأيت إحدى الصديقات تنشر حالة لها عن عمل تطريزي، فأعجبتني وقررت من وقتها اتعلم ذلك الفن، وكل ما فعلته أني استخدمت النت وشاهدت فيديوهات تعليمية، وفي نفس الوقت كنت أسأل السابقات لي في مجال التطريز عن أي شئ أحتاج إليه، وقد تعلمت منهم الكثير».
سهل وصعب
وصلت أستاذة اللغة العربية إلى هذا المستوى الجيد بفن التطريز في فترة لم تتجاوز حاجز العام الواحد، ونجحت أن تضع قدمها في سوق صناعته ويصبح له عملائها المختلفين من محبي منتجات هذا الفن، لكن الأمر في الحقيقة لم يكن بهذه البساطة والسهولة، حيث وجدت في بداية الأمر صعوبة في تنفيذ ما تريده بمدة قصيرة، موضحة: «لدرجة أني قضيت 3 ساعات في تعلم وردة واحدة»، مؤكدة أنه بمزيد من التجربة والممارسة استطاعت أن تصبح أكثر سرعة في التنفيذ، كاشفة: «الآن أي أوردر كامل ممكن أنفذه في غضون ثلاثة أيام، لكن الأمر يختلف بالنسبة للعملاء فأخبرهم أن التسليم في خلال أسبوع من بدء رسم التصميم حتى لا أضغط نفسي».
ربح أم سعادة
سواء شئنا أم أبينا، فلا يمكن أن ننكر أن المال أحد الأسباب الرئيسية في تحقيق السعادة، لكن ابنة محافظة القاهرة لا تقتنع بذلك وترى أن السعادة الحقيقية تكمن في إسعاد الآخرين، مشيرة إلى أنها لا تستهدف الربح بالأساس ولهذا أسعار منتجاتها تقريبًا تغطي التكاليف وفوقها نسبة قليلة للغاية من الربح، وفي بعض الأحيان لا تُغطي حتى التكاليف، حاكية: «في إحدى المرات سألتني بنت عن سعر منديل كتب كتاب كانت تريده فقولت لها 180 جنيهًا، وفي نفس الوقت كانت البنت فرحانة أوي وكنت مستغربة فرحتها شوية، قبل ما أعرف منها أن اللي سألتهم قبلي قالولها مش أقل من 600 جنيه»، مشيرة إلى أن هذا أهم ما في الأمر بالنسبة لها أن تكون سببا بسيطا في سعادة كل من يحتاج عمل فني منها.
أخواتي
الموت منع عن «إسراء» مشاعر الأب، التي تتغنى بها كل فتاة ومن الممكن أن تكتب فيها مجلدات من الأشعار، فبعد أن توفى والدها بعد ولادتها بحوالي عامين فقط، وحين أصبحت طفلة في عمر العاشرة، حرمها الموت حينها من الأم، التي أوصانا بها النبي ثلاث مرات في الحديث النبوي الشريف، ورغم قسوة أن تعيش يتيمًا من الأب والأم، إلا أن تواجد أخواتها في حياتها كان أكبر داعمًا لها، كاشفة أنها الأخت الصغري لثلاث شقيقات بخلافها، وولد لحق هو الآخر والده ووالدته ووراه الثرى عن دنيانا في سن الـ 27.
وتواصل: «لكن الحمد لله أخواتي البنات يساعدونني دائما ويدعمونني ويشجعونني على أي شئ أريد أن أعمله، لدرجة أني لما قلت لأختي التي تعيش بقطر على ما أريد عمله، أخبرتني أن كل الخامات والأدوات التي سوف استخدمها هدية منها لي»، مشيرة إلى أن كل شقيقاتها وجيرانها وصديقاتها يدعمونها أيضًا ويشجعونها كثيرًا طوال الوقت.
الناس الذوق
مشكلة كبيرة يعاني منها من يعملون بمجالات الصناعات اليدوية، على مستوى البيع الإلكتروني، حيث كثيرا ما يتراجع العملاء لأي أسباب خاصة بهم عن شراء المنتج في اللحظة الأخيرة، بعدما يكون صانع المنتج جهزه في شكله النهائي، هذا بخلاف بعض الأشخاص الذين قد يعاملون العاملين بتلك المجالات بشكل غير جيد وبه نوع من التكبر، لكن هذا لم يحدث مع «إسراء» سوى مرتين أو ثلاثة بأقصى تقدير، (حسبما تصرح)، متابعة: «الموضوع عادي بالنسبة لي وبعطي الأوردارات التي لا يأخذها العملاء لأخواتي بفرحهم بها، ما يضايقني هو لماذا الناس أصبحت بهذه الأخلاق؟»، كاشفة أنه على الجانب الأخر هناك الكثير من «الناس الذوق» على حسب وصفها، تتفاجىء بهم يصرون على أن تقبل منهم هدية مقابل ما صنعته لهم من منتج فني أعجبهم بخلاف سعره.
حلم وبصمة وآثر
تحلم خريجة كلية الآداب، أن يصبح لديها في يوم من الأيام «الجاليري» الخاص بها الذي تعرض به منتجاتها الفنية، بعدما يصبح ما تقدمه «براند» مشهورا ومعروفا في مصر والعالم العربي وكل العالم حتى، لكن إلى جوار ذلك تؤكد في نهاية حديثها مع «الوطن»، أن أهم ما يشغلها أيضا هو أن تترك بصمة وأثرا جيدا بمحيط المجتمع الذي تعيش فيه، لأنها تؤمن جيدا بأن ثمرة الإنسان في عمره، وعليه أن يستغل هذا العمر جيدا لصناعة هذا الأثر ولا يتركه يمر دون أن يفعل ذلك، كما أنه على كل إنسان ألا يركن للظروف التي يمر بها فهي تهيئه وتعده لأن يصبح إنسانا أفضل.
تعليقات الفيسبوك