إن سألت مواطناً يابانياً عن شعوره تجاه الأمريكيين، الذين أحرقوا شعبه بالقنابل النووية، فسيرد عليك:«إحنا ولاد النهارده»، وسيقول لك إن هذه مشكلة كانت بين الأجداد.
المسألة المماثلة عندنا هى قضية الصراع العربى الإسرائيلى، ولكن الوضع مختلف، فالصراع ما زال قائماً، ليس مع إسرائيل وحدها بل مع الجانب الأمريكى، فلا بد أن يتفهم الجانب العربى، ولأسباب كثيرة للغاية، أن إسرائيل هى الولاية الأمريكية الواحدة والخمسين التى تهيمن على قدر معقول من مفاصل الدولة الأمريكية، حتى إن السيناتور «جيمس فولبرايت»، حاكم ولاية «أركانساس» من منتصف الأربعينات لمنتصف السبعينات، قال إن إسرائيل تهيمن على مجلس الشيوخ الأمريكى وإنه من المحتم القلق على مصالح أمريكا.
وقد أيده رأى الكاتب والسياسى الأمريكى الكبير «باتريك بوكانان» حين قال إن «الكونجرس الأمريكى منطقة محتلة إسرائيلياً».
بشكل عام فإن التمترس حول الماضى وحماسيات «لا تصالح ولو منحوك الذهب» هى أمور لن تبنى مستقبلاً، تماماً كما أن الارتماء فى أحضان الطرف الآخر لن يؤدى إلى أى شىء إيجابى.. هذا وقت التنمية، وفيه نحتاج لعلاقات ندّية تكاملية تليق بتاريخنا وقوتنا وتطلعاتنا.
أما حقوق الشعب الفلسطينى فستظل من القضايا المحورية للدولة المصرية التى تبذل جهوداً متنوعة فى سبيل الحفاظ على الزخم الدولى فى التركيز على القضية، وجهوداً أخرى على طريق لم شمل الفلسطينى ليكون لفلسطين صوت واحد معبر عن القضية.
الأزمة الأخيرة كاشفة، ولا بد أن تذكّرنا بحقيقة دامغة لا تقبل الجدل وهى أن منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الرسمى الوحيد للشعب الفلسطينى وأن انعكاسها على الأرض يتمثل فى السلطة الوطنية الفلسطينية، وبناء عليه فهى الوحيدة صاحبة الحق الأصيل فى إعلان الحرب وتفعيل خيار التصعيد العسكرى، وأنه يجب العمل على منع اندلاع أية حروب فى المستقبل.
وبالتالى، وهذا هو المهم يجب ألا يُسمح لأى ميليشيا فى أى مكان أن تبدأ حرباً، لأن مثل هذه الكيانات تبدأ الحروب دون دراية بكيفية إنهائها، ومن ثم يتورط فيها الكبار مثل الدولة المصرية، فحين قال نزار قبانى إن «من بدأ المأساة ينهيها» لم يكن قد شاهد «حماس» بصواريخها غير الفعالة والتى أسفرت عن مقتل 12 مواطناً إسرائيلياً (نتيجة قصف نحو خمسة آلاف صاروخ!) فى مقابل حوالى 250 فلسطينياً قضوا فى القصف المضاد، مع إصابة 17 ألف مبنى وحدوث ضرر فادح فى كل مناحى البنية التحتية.
ما حدث هو تدمير حقيقى للقطاع فى تصعيد عسكرى لم يختر أحد البدء فيه، وخسائر يتحملها الشعب الفلسطينى فيما يبقى قادة حماس بالخارج فى أمان وسلام.. ورفاهية.
هذا التدمير قابله دور مصرى عظيم على طريق إعمار غزة بما يعكس رؤية عميقة للدولة المصرية تحاول بها تغيير قواعد اللعبة وتحسين وضع القضية ككل من مقاربات اقتصادية واجتماعية بجانب الجهود السياسية المتتابعة (تخيل ماذا سيحدث لو كان هذا القطاع مدينة دبى الإماراتية مثلاً).
إعادة الإعمار مع المحاولات المصرية لاستمرار الزخم السياسى العالمى حول القضية هو ضرب للمشروع الإسرائيلى الخفى الذى تمثل فى ضغط إسرائيلى كبير خلال السنوات الماضية لأنسنة القضية الفلسطينية، وإفقادها البُعد السياسى والتاريخى، وتقديم الفلسطينيين للعالم من مقاربة كونهم بشراً يحتاجون لمساعدات إنسانية وليسوا شعباً يرغب فى استعادة دولته.