مروة مرسي تكتب: أبي.. ستعيش في قلبي ولن ترحل روحك
مروة مرسي
من رحل ليس أبي فقط لكن جزء من روحي، لم أشعر يوماً باحتياجي إلى شخص في وجوده لأنه خير رفيق وونس، ظننت أنه لن يرحل عني مهما مرت السنين، توقعت أنه لن يتركني وحيدة في هذه الدنيا دون سند، ضحكته كانت تجعلني أنسى الأحزان والخذلان وعلمت بعد رحيله أن الألم الوحيد في حياتي هو فراقه.
كل الأماكن تذكرني به لأنه شريك ذكرياتي في البيت، في الشارع، كان ينادي باسمي بمجرد وصوله إلى المنزل.
تعلقت بأبي لكن منذ تَفتح وعيي وأنا أخشى لحظة رحيله وعدم رؤية وجهه مرة أخرى، لدرجة أنني كنت موقنة أنَّه سيظل موجودًا حتى نهاية عمري ولم أتوقع أبدًا أن تأتي لحظة الرحيل التي كنت أخشى التفكير فيها، وأدعو الله في صلاتي ألا تحدث.
هل تعلم يا أبي أنّي كنت أقف أمام باب غرفتك كي ألاحظ إن كنت تتنفس أم لا، حتى اطمئن أنك موجود وعلى قيد الحياة، هل تعلم أنك حينما تسافر كنت أبكي خوفاً ألا تعود مرة أخرى إلى حضني، وأحيانًا كنت أصحو من النوم فزعاً وأنادي «بابا»، وعندما أكون مريضة أقول «بابا»، كنت أعلم أن أمي مظلومة معي بسبب حبي الشديد وتعلقي الكبير بك، كنت دائمًا أقول لنفسي أنك النعمة التي أنعم الله بها علي في هذه الدنيا.
القريبون مني يعلمون جيدًا مدى حبي لك، ولكن لا أحد يعلم أنك تخطيت مرحلة الحب وأصبحت جزءا من روحي، واليوم بعد رحيلك فقدت جزءا منها ولم أعد أستطيع التنفس بحرية.
سأشتاق إلى صوتكِ وتدليلك لي، كنت دائمًا تناديني «حبيبة بابا»، نعم أنا حبيبة باباها وابنة باباها، لأول مرة أحمد الله أني لم أتزوج لأن فراقك كان سيكون ثقيلًا إذا كنت بعيدة عنك أو كنت تزوجت ولم أعش معك كل هذه الذكريات الجميلة التي تركتها لي كإرث أعيش عليه حتى ألقاك، لم أعد أخشى الموت، فالأمان هناك ينتظرني، بوجودك جعلتني لا أخشى الموت.
لم يكن أبي يومًا ما رجلًا عادًيا، كل مرة كانت تواجهني مواقف شديدة كنت اختبئ في ظهر أبي، وأقول بكل قوة «أبي موجود»، وحينما كان يداهمني اليأس أو الحزن كنت أحضن أبي وأنام على صدره وأسمع نبضات قلبه وأنفاسه وأطمئن وأقول: «أبي معي.. والله لن أحزن»، وكل حب في حياتي استصغره حينما أقارنه بحب أبي.
تركتني فجأة وكان بداخلي أمل أن أكون على خطأ، لأننا اتفقنا أن نسير معًا دوامًا لكن سبقتني بخطوات، سيأتي اليوم الذى أعود إلى أحضانك ونجلس لنتحدث معًا.
أعلم أنك كنت تفكر في آخر لحظات حياتك، وكنت تتمني من الله أن يمن علي بالزوج الصالح والذرية الصالحة، ولكن يا أبي الحياة دونك ليس لها أي طعم، سبحان من اختار لنفسه البقاء، سأصبر يا أبي على رحيلك على أمل لقاءك، وعلى يقين أن الله غفور رحيم، وأنك عبده الذي سيرزقه الجنة والنعيم، فأنت كنت دائمًا تضع الله أمام عينك في جميع أمورك وكنت صاحب الكلمة والعمل الطيب.
أشهد لك يا أبي أنك كنت أكرم الأآباء وخير الرجال، وكنت تحب كل الخير ولا تتمنى الأذى للآخرين، وتردد دائمًا «عاملي ربنا يا ابنتي»، لذا سيظل رأسي مرفوعًا وأعيش على سيرتك الطيبة وموافقك الإنسانية وجبرك لخواطر للناس حتى الذين لا تعرفهم، وحبك لكل عمل يقربك إلى الله.
سيظل رأسي مرفوعًا وفخورة أنّي ابنة إبراهيم مرسي، الرجل الذي جاء إلى الدنيا وترك فيها سيرة طيبة ومسيرة من التعب والشقاء والصبر يفخر بها أولاده، وأنا صغيرة كان يُقال لي في عملي أو في المنطقة التي أعيش فيها: «دي بنت إبراهيم مرسي»، سأظل افتخر بك وسأحصل على الدكتوراة إن شاء الله كما كنت تريد، وسأظل مصدر فخرك واعتزازك حتى ألقاك.