فى مشهد مهيب لم أتمكن من نسيانه طيلة عام ونصف مرت على رحيلك.. توقفت عقارب الساعة واسودت الدنيا فى لحظة واحدة.. الجميع يهرول إليك يحاولون إسعافك، وقلبك الذى تحمَّل الكثير من أعباء الحياة قرر الاستسلام فى لحظة غادرة.. كأن طعنة دخلت قلبى يا أبى شطرته نصفين، منذ ذلك الحين لم تلتئم جراحه.. هل كان علىَّ أن أبقى بجوارك وقتاً أطول حتى تتشبع روحى من روحك؟.. هل كان علىَّ أن أرمى كل ما ورائى من مهمات يومية حتى أظل فى جوارك أواخر أيام حياتك؟
لماذا لم أشعر أنها لحظة الوداع؟ لماذا تعاملت مع إغمائك بأنك حتماً ستعود بعده؟ حتى الآن لا أصدق ما حدث، مر الكثير فى غيابك، وما زال طيفك يحاصرنى.. أسمع همساتك داخل غرفتك، أشعر وكأن أنفاسك تحاوطنى كلما تحسست أشياءك التى تركتها وغادرت، أنت وحدك من تمكن من اختراق جوارحى، تعلمت على يديك كل شىء، تشربت كل شىء من شخصيتك؛ قوتها وشجاعتها وحتى مرضها، صرت يا أبى من أصحاب «القاتل الصامت».. يزداد ضغطى فجأة وأضطر للذهاب إلى المستشفى بحثاً عن العلاج.. هناك أتذكر تلك اللحظات القاسية، ربما ورثت منك مرضك الذى أودى بحياتك، كما ورثت ملامحك وطباعك. هل تعلم أن أكثر ما أثر فىَّ هو عدم شعورك بى فى لحظاتك الأخيرة؟ هل سمعت توسلاتى لله بأن تبقى؟! هل شعرت بعناقى لك ودقات قلبك تتلاشى رويداً رويداً، حتى توقفت وبات جسدك كلوح ثلج وأنت بين ضلوعى؟.. هل شعرت بى وأنا أحتضنك قبل ساعات من دفنك بمثواك الأخير؟ عانقتك يا أبى بعد رحيلك، وانغمست فى النوم بجانبك، بل وضعت نفس الغطاء علىَّ، وضعت رأسى على فؤادك على أمل أن ينبض مجدداً، كان جسدك بارداً لكنى شعرت بدفء كبير وأنت بجانبى.
قبلة الوداع كانت أكثر ما كسرنى يا أبى، أشهد أن وجهك كان بشوشاً لكن لم يكن كافياً ليهدّئ قلبى المكسور، وضعت على جبينك قبلة، وعلى قدميك، وهمست بأذنك: «هتوحشنى». مشهد جنازتك كان مهيباً، فعلى الرغم من كونه فى منتصف الأسبوع، فإنه حشد الكثير، فكأنها صلاة جمعة مليئة بالمصلين، لم أنسَ لحظة وضعك بمثواك الأخير أحسست وكأن روحى لم تعد معى، ذهبت معك منذ أن تركناك بالمقابر، فأصبحت بدون روح منذ ذلك اليوم، أعيش فقط وأنا تائهة أنتظر لقاءنا مُجدداً ربما أفوز بعناقك ربما أخبرك كم أنا أحبك.