قبل عدة أيام تقدم السودان بطلب إلى مجلس الأمن الدولى لعقد جلسة فى أقرب وقت ممكن لبحث تطورات الخلاف حول سد النهضة الإثيوبى وأثره على سلامة وأمن الملايين من الذين يعيشون على ضفاف النيل الأزرق والنيل الرئيسى الذى هو ملتقى النيلين الأزرق والأبيض.
وقد دعت وزيرة الخارجية السودانية، فى رسالتها إلى رئيس مجلس الأمن، إلى حث كل الأطراف على الالتزام بتعهداتها بموجب القانون الدولى والامتناع عن اتخاذ أى إجراءات أحادية الجانب، ودعوة إثيوبيا إلى الكف عن الملء الأحادى لسد النهضة، والذى يؤدى إلى تفاقم النزاع ويشكل تهديداً للسلم والأمن الإقليمى والدولى. كما دعت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى وكل المنظمات العالمية والإقليمية ذات الصلة للمساعدة فى دفع المفاوضات الخاصة بالسد وبذل مساعيها الحميدة وجهودها للوساطة لحل هذا النزاع. كذلك فقد أوضحت الوزيرة، فى رسالتها إلى المجلس، الجهود الحثيثة التى بذلها السودان للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم عبر عملية التفاوض التى يرعاها الاتحاد الأفريقى خلال عام كامل، وكيف وصلت هذه المساعى إلى طريق مسدود بسبب تعنت إثيوبيا وغياب أى إرادة سياسية لديها للتوصل إلى اتفاق يراعى مصالح وحقوق ومخاوف كل الأطراف. وفى ذات السياق وجَّه وزير الخارجية المصرى رسالة مماثلة إلى رئيس مجلس الأمن لشرح مستجدات ملف سد النهضة، انطلاقاً من مسئولية مجلس الأمن وفق ميثاق الأمم المتحدة عن حفظ السلم والأمن الدوليين. وقد تضمنت الرسالة تسجيل اعتراض مصر على ما أعلنته إثيوبيا حول نيتها الاستمرار فى ملء سد النهضة خلال موسم الفيضان الحالى، والتأكيد على رفض مصر التام للنهج الإثيوبى القائم على السعى لفرض الأمر الواقع على دولتى المصب، مصر والسودان، من خلال إجراءات وخطوات أحادية الجانب تُعد بمثابة مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولى واجبة التطبيق. وقد أبانت رسالة وزير الخارجية كذلك عن حقيقة المواقف الإثيوبية المتعنتة التى أفشلت المساعى المبذولة من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانوناً حول سد النهضة فى إطار المفاوضات التى يرعاها الاتحاد الأفريقى.
ورداً على الرسالتين السودانية والمصرية بعثت الخارجية الإثيوبية برسالة إلى رئيس مجلس الأمن رفضت فيها ما قالت إنه «آخر محاولات مصر والسودان لإشراك مجلس الأمن فى مسألة سد النهضة خارج تفويضه»، معتبرة أن الخطوات المصرية والسودانية الأخيرة تمثل استمراراً لنهج يهدف إلى تقويض العملية التفاوضية التى يقودها الاتحاد الأفريقى، مؤكدة نيتها إطلاق المرحلة الثانية من عملية ملء السد فى موسم الأمطار القادم اعتباراً من يوليو، داعية مجلس الأمن إلى حث مصر والسودان على مواصلة التفاوض بحسن نية تحت رعاية الاتحاد الأفريقى. وتكشف القراءة الدقيقة لرسائل الدول الثلاث هذه عن المعانى الآتية: 1- أن مصر والسودان أصبحتا على قناعة تامة بأن جهود الاتحاد الأفريقى، مع تقدير الدولتين لهذه الجهود، قد باءت بالفشل، نتيجة لتعسف إثيوبيا وتعنتها وانعدام رغبتها فى الوصول إلى اتفاق ملزم يضمن مصالح الأطراف كافة وحقوقها.
2- أن الدولتين لم تجدا سبيلاً سوى اللجوء إلى مجلس الأمن الدولى لإشراكه فى الأمر وتحميله مسئولياته التى أناطها به ميثاق الأمم المتحدة باعتباره الجهاز المسئول بشكل كامل وتام عن حفظ السلم والأمن الدوليين. وهو ما أشارت إليه صراحة الرسالتان المصرية والسودانية، واللتان نبّهتا المجتمع الدولى إلى خطورة الوضع وإلى ما يحمله فى طياته من تهديد شديد للسلم والأمن الإقليمى.
3- أن إثيوبيا ما زالت مصرّة على لىّ أعناق الحقائق، فهى تدّعى فى رسالتها إلى المجلس أن مصر والسودان هما السبب فى عدم الوصول إلى اتفاق ملزم، وأنهما تسعيان إلى تدويل القضية، وأن مجلس الأمن غير مختص بالأمر، متجاهلة أن ما تؤكده الوقائع كافة، ويراه كل ذى عينين، أنها هى السبب، ولا سبب غيره، فى عدم الوصول إلى اتفاق. وأن ادعاءها أن مجلس الأمن غير مختص هو ادعاء هزلى، فمن المعلوم للكافة أن مجلس الأمن، وليس أحداً غيره، هو صاحب الاختصاص الأصيل فى كل ما يمكن أن يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين أو إخلالاً بهما.
4- أن إثيوبيا ما زالت سادرة فى غيّها ومصرّة على الملء الثانى دون اتفاق مع دولتى المصب، وهو ما يتعارض والتزاماتها بموجب إعلان المبادئ، فضلاً عن مخالفته لكل قواعد القانون الدولى للأنهار ذات الصلة.