حينما يوجّه رئيس الجمهورية بضرورة الاستغلال الأمثل لأصول الدولة، فمعنى التوجيه أن يتحمل كل وزير أو رئيس هيئة، مسئولية حصر الأصول المملوكة لوزارته أو هيئته، ووضع خطة بآليات تنفيذ واقعية لاستغلال هذه الأصول، بدلاً من «تخريدها»، أو قذفها ككرة لهب خارج دائرة مسئولياته.
ويُعنى بالأصول أى أرض، أو مبنى، أو مصنع، أو ماكينة، أو أى وحدة كانت منتجة سابقاً، وآلت ملكيتها أو كينونتها للجهة الحكومية، وفق خطة تنموية، أُنفِقَت من أجلها أموال كثيرة وعزيزة من خزانة الدولة.
والملاحظ خلال الشهور القليلة الماضية، أن جهات حكومية عديدة، فنية وإدارية وسياسية تبارت فى لعبة «قذف كرات اللهب» من دوائرها، إلى دائرة الصندوق السيادى الذى يترأسه الرئيس عبدالفتاح السيسى، ظناً من اللاعبين أن الرئيس سينتصر لبلوغ هذه الكرات حدود دائرته المزدحمة بالهموم والمسئوليات المستقبلية الجسيمة.
وخلال مباريات الوزراء والمسئولين بممتلكات وزاراتهم وهيئاتهم، قد تفقد مصر مشروعات، وفرصاً إنتاجية، لن تقدر أجهزة الدولة كاملة على إعادة واحد أو واحدة منها، إلى ما كانت عليه فى السابق، أى قبل أن تطالها أيدى الإهمال و«التخريد»، بحيث لم يجد المسئول عنها حالياً، أفضل من التخلص من عبئها، هرباً من مسئولية استغلالها، كونه لا يضمن تصنيف اجتهاده «كاستغلال أمثل»، أم غير ذلك.
- وبتسليط الضوء على وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى كنموذج للوزارات التى تئن بتركة ثقيلة عتيقة، فكل من تحمل مسئوليتها، بعد الدكتور يوسف والى، رحمه الله، مر عليها مرور الكرام، كأنها مقابر أثرية غير قابلة للنبش، أو كأنها «تابوه» لا يمكن الاقتراب منه، خاصة أنهم جميعاً لم يتلقوا توجيهات، ولم تعط لهم إشارات خضراء بفض أختامها وكسر أقفالها.
هذه الممتلكات، إضافة إلى ممتلكات وزارات أخرى، منها: الموارد المائية والرى، والنقل والمواصلات، والبترول، والكهرباء، لا تُقدر بأثمان عادية فى موازين المال، وأظن أن استغلالها الاستغلال الأمثل، بإعادتها إلى الحياة قدر المستطاع، هو ما قصده الرئيس المهموم بإعادة بناء دولة كانت قد قاربت على «التخريد»، من حيث البنية الأساسية، والطرق، والمواصلات، وخطوط السكك الحديدية، والإسكان، ومحطات تدوير الصرف الصحى، والمجارى المائية، والبحيرات وغيرها.
- النماذج كثيرة ومتعددة، لدى هذه الوزارات، ولا يصح وصفها بأقل من «كنوز الذهب»، فلا يتم التعامل معها على طريقة «الكرات الملتهبة»، فتصبح عرضة لـ«التخريد» أكثر فأكثر، ربما لعدم يقين المسئول عنها حالياً، أياً كان حجمه، فى امتلاك القدرة والأدوات المساعدة على إعادتها للحياة، ما يؤهلها قسراً لدخول مولد ذبح القرابين.
الغاية هنا، أن يستمر فتح مغارات هذه الكنوز، بحيث يتم نقلها إلى الصندوق السيادى، شرط أن يتم تقسيم هذا الصندوق العام إلى صناديق فرعية، كل فيما يخص مصدر هداياه المنقولة، وذلك لإعادة استثمارها على طريقة «أموال الوقف»، حيث «تُستَبدَل»، ولا تتحلل، أى يتم استثمار ريع بيعها أو تحويلها لصالح الوزارة أو الجهة التى كانت تتبعها.
وللتمثيل الواقعى، فإن وزارة الزراعة فى حاجة ماسة إلى بناء مدينة بحوث، على غرار المدن الأمريكية والألمانية واليابانية، والوزير الحالى حاول جاهداً، رغم عدم انتمائه إلى كتيبة الزراعة، تحقيق هذا الحلم، ولا يزال يبحث عن آليات تنفيذه، بدأب وصبر.
وأظن أن المتر المربع فى أراضى وخرابات مركز البحوث الحالية، يمكن تدويره فى فدان حديث، تنهض عليه معامل، ومزارع، وتكنولوجيا يمكن تسخيرها لإنتاج تقاوى مصر من الخضر والفاكهة لتحقيق الاكتفاء منها، على غرار الحبوب الاستراتيجية.
ستظل هذه الممتلكات الثمينة باقية فى خزائن الله، قوالب ذهبية تُكوى بها جباه المفرّطين فيها، مرة عند السؤال أمام الرئيس فى الحياة الدنيا، وأخيراً يوم العرض على خالق السماوات والأرض.