«الأسطى أمل» تنافس الرجال بتصليح الجرارات: «واجهت التنمر بسلم خشبي»
ميكانيكية من ذوي الهمم بمدينة الحامول تتمنى مقابلة الرئيس
الأسطى أمل الزناتي ميكانيكية
اعتاد المجتمع المصري على أن هناك مهن كثيرة لا تصلح إلا للرجال، كالعمل في ورش الميكانيكا الخاصة بمختلف المعدات والمركبات، إلى أن تفاجأ خلال السنوات الأخيرة بأن هناك سيدات استطعن منافسة الرجال في تلك المهن، من بينهن «أمل الزناتي الصاوي»، واحدة من هؤلاء اللاتي تغلبن على أصعب ظروفهن، وتحلين بالإرادة، حتى استطاعت أن تصنع اسماً لها.
لم تكن «الأسطى أمل» مجرد سيدة عادية تنافس الرجال في إصلاح الجرارات الزراعية والمعدات الثقيلة، بل تغلبت على إعاقتها، حيث ولدت من ذوي الهمم «قصار القامة»، واستطاعت أن تتحدى كافة العادات والتقاليد، وتؤسس محلاً لبيع قطع الغيار، وورشة لإصلاح وصيانة الجرارات الزراعية، في مدينة الحامول بمحافظة كفر الشيخ.
«الأسطى أمل» قصة كفاح امتدت لـ30 عاماً: «باعتمد على نفسي»
نحو 30 عاماً قضتهم «أمل»، البالغة من العمر 50 عاماً، بين أروقة المحل والورشة، تعلمت منهم ومن والدها أصول الصنعة، وساعدت كثيراً من الشباب، الذين أصبحوا «صنايعية» خلال فترة قصيرة، ولم يتخيل أحد أن تلك السيدة، التي لم يتجاوز طولها 120 سنتيمتراً، سيكون لها بصمة في ذلك المجال الصعب، بعدما واجهت رحلة طويلة من التنمر والانفصال.
«اتخلقت مش طبيعية، رغم ولادة اخواتي الـ10 طبيعيين، حسيت وقتها باختلاف، وإن الاختلاف ده أكيد هيكون في كل حاجة، قررت أواجه وأتحدى ومهربش، اتعلمت وواجهت ونجحت»، بهذه العبارة لخصت «الأسطى أمل»، ابنة مدينة الحامول، رحلة كفاحها.
«الأسطى أمل»: «وصفوني بالست المسترجلة وبقيت ست بـ100 راجل»
لم تيأس السيدة، التي وصفها البعض بـ«الست المسترجلة»، بل زادها اللقب قوة وصلابة في مواجة التنمر الذي تعرضت له، حتى بعد قصة زواجها وانفصالها عقب 15 عاماً من الزواج: « كانوا بيقولولي أنتي مسترجلة ليه، وجثتك على قدك، مش هتعرفي تعملي حاجة، لكني كنت فرحانة، والكلام ده كان بيزدني إصراراً على التحدي، خاصةً إن المهنة دي بتحتاج جهد جسدي كبير، لكن أنا اتعلمت وشربت الصنعة من أبويا، وقدرت أعدي وأنجح، والكل بقى بيشاور عليا ويقول ست بـ100 راجل».
استعانت « الحاجة أمل» بسلم خشبي، تعتمد عليه ليكون خير معين لها خلال رحلتها في عالم الميكانيكا الذي يمتد النحو 30 عاماً: « علشان أنا من قصار القامة، أول ما بدأت أقف في المحل بتاعي واتعرض للتنمر، استعنت بسلم خشبي يساعدني في تلبية احتياجات الزبائن، بدلاً من الاعتماد على الصنايعية الرجال، وقررت أواجه لوحدي التنمر بالسلم ده، والناس قبل ما يقابلوني كانوا فاكرين إني ست ضخمة وخشنة الملامح، لكنهم اتفاجأوا بواحدة قصيرة خالص، لكنها قادرة تعبر وتنجح».
حصلت السيدة الخمسينية على دبلوم فني صناعي، قسم الملابس الجاهزة، لكنها كغيرها من مئات الفتيات، يدخلن ذلك النوع من المدارس ليحصلن على شهادة، وفي عام 1991، قررت «أمل» عدم استكمال دراستها بعد الدبلوم، والوقوف مع والدها في محل بيع قطع الغيارات الخاصة بالجرارات الزراعية والمعدات الثقيلة، ليلاحظ والدها اهتمامها الكبير بدراسة تكوين المعدات.
وقالت عن ذلك: «مكنتش مجرد بنت واقفة مع أبوها في محل بتبيع قطع غيار، لا أنا كنت أفك وأركب وأدرس مكونات الجرارات والمعدات، لحد ما تعلمت وقررت أفتح ورشة لإصلاح الجرارات، وسط استغراب الجميع، إزاي هتفتح ورشة في قرية، وبدأت رحلة تنمر جديدة، واجهتها بالإرادة والصبر، علشان أنجح، لحد ما بقيت أشهر واحدة في كفر الشيخ، والفلاحين وغيرهم من الزباين بيطلبوني بالاسم».
لحظات صعبة كثيرة عاشتها «الأسطى أمل الزناتي»، وسط مجتمع رافض أن يتقبل عملها في تلك المهنة الشاقة، غلبتها دموعها أحياناً، وتغلبت عليها أخرى، لكنها استطاعت أن تفوز في النهاية، بحب واحترام الجميع: «كنت أوقات بأعيط من سخرية الناس، لكن قررت أجفف دموعي وأكون أقوى من أي رفض لشغلي، وحتى لما تقدم شخص لخطبتي، كان شرطي الوحيد إني أعمل في نفس المهنة، وفعلاً وافق واتجوزت، وفتحت المحل، وبدأت أنافس، وبقى عندي بدل المحل اتنين وورشة كمان، وبقيت أنافس أكبر الورش في المنطقة، بعدما كسبت حب الناس».
«الأسطى أمل»: «الانفصال مش نهاية العالم اشتغلوا واثبتوا نفسكم»
15 عاماً من عمرها هي رحلة زواجها، لكنها انتهت بالانفصال، وظن الكثيرون أنها ستكون نهايتها، لكنها استكملت حياتها وعاشت لمهنتها: «اتجوزت 15 سنة وانفصلت، ومكنتش خلفت، وفي ناس فكروا إني بعد الانفصال الحياة هتقف، لكن رجعت مرة تانية لمهنتي اللي باحبها، وقررت أنجح أكتر وأكتر، وبأكمل حياتي مرة تانية دون خجل، بل بكل فخر، لمروري بظروف صعبة كثيرة تغلبت عليها».
ساعات طويلة تقضيها «أمل الزناتي» وسط العمل في الورشة، يحيطها من كل جانب رائحة الزيوت والشحوم، لكنها ترى أن عملها هو الأمل في حياة كريمة بالنسبة لها، وقالت: « أنا بأقضي معظم يومي في الشغل، ما بين الورشة والمحل، وسط الصنايعية، ولم أخجل من رائحة الزيوت ولا ركوب الجرارات، بالعكس شايفة إن أملي في حياة كريمة هو شغلي اللي باعتبره أماني وسندي، ويقيت أنافس بيه الرجال».
لا تتمنى «أول ميكانيكي جرارات من ذوي الهمم في كفر الشيخ»، سوى مقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والحصول على وحدة سكنية للعيش فيها، واختتمت بقولها: «باتمنى أقابل الرئيس، ونفسي في شقة أعيش فيها، قدمت بقالي 15 سنة، ولم أحصل عليها».