حينما تنشر جريدة الواشنطن بوست الأمريكية حجم الإنفاق الأمريكى فى أفغانستان على مدار 20 سنة مضت فتقدره بمبلغ تريليون دولار، فلا بد أن تتعجب من إهدار المال على الدمار والتعبئة العامة للإرهاب التى قامت بها الولايات المتحدة فى بلد كأفغانستان. وحينما تواصل قراءة التقرير الصحفى تدرك ما هو أبعد من تقنين تمويل الفوضى والفشل، فالميزانية الأمريكية المقدَّرة بتريليون دولار تم تخصيص مبلغ 133 مليار دولار منها فقط لإعمار أفغانستان التى لا يتجاوز تعداد سكانها، بحسب أفضل الإحصاءات، 35 مليون نسمة. ولكن لم تذهب تلك الأموال كلها للإعمار بحسب الواشنطن بوست، التى ذكرت أن 90% من المبلغ تم إنفاقها بلا تخطيط ولا هدف، و40% منه ذهبت لسد أفواه الفساد المنتشر بين المسئولين والمقاولين الذين كانوا يتولون توزيع المساعدات! والنتيجة..لا شىء غير استقرار الحال لطالبان وتمركز القاعدة فى صورة هزلية ترفع فيها واشنطن وحلفاؤها شعار «الديمقراطية»! ولا أعرف أى ديمقراطية يتغنون بها فى بلد يسوده الإرهاب والقتل والفساد والمخدرات ودولة عاجزة حتى عن حماية مطارها الرئيسى؟!
ربما يذكّرنا هذا بإعلان مارشال الأمريكى عام 1947 بقيمة 15 مليار دولار لدعم أوروبا وإعادة بنائها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكيف أن غالبية هذه المليارات ذهبت للشركات الأمريكية التى جاءت للاستثمار فى أوروبا بعد الحرب، فأخذت الطاق طاقين.
نعود للتريليون الأمريكى الجديد ونتساءل: هل يدرك دافع الضرائب الأمريكى أن بلاده أنفقت تريليون دولار لدعم الفوضى فى أفغانستان بحجة محاربة الإرهاب الذى موَّلته منذ سبعينات القرن الماضى بحجة مواجهة الشيوعية؟ هل يدرك أن ما يدفعه على الضرائب فى بلاده يذهب لتمويل الإرهاب الذى يرتد له ويخوفونه به؟
ليس هذا وحسب..
فمؤخراً بدأت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأعضاء فى حلف الناتو سحب قواتها من أفغانستان، الطريف أن الولايات المتحدة، حسب تقارير إعلامية مصوَّرة من وكالات الأنباء العالمية، تترك مقراتها بأسلحتها الحديثة لتستولى عليها حركة طالبان، المصنَّفة إرهابية من قبَل الولايات المتحدة، والتى كانت أحد أسباب حرب أمريكا وحلفائها على أفغانستان فى العام 2001! فهل يعلم دافع الضرائب الأمريكى أن بلاده التى تبيع السلاح وتدّعى حظره على الميليشيات المسلحة الإرهابية فى العالم تترك سلاحها لهم لتنسحب تاركة لهم الجمل بما حمل؟!
الأزمة الحقيقية أن أفغانستان اليوم بعد 20 عاماً من الوجود الأمريكى وحلف الناتو بها باتت تحت سيطرة طالبان بدعم إيرانى تركى إخوانى أيضاً، وبرعاية قطرية افتتحت لطالبان مقراً لها فى الدوحة منذ العام 2013. هذا غير استمرار وجود تنظيم القاعدة؟ فمن كانت تحارب أمريكا فى أفغانستان؟
هكذا تثبت الوقائع ما حدث على مدار السنوات الماضية، لتنتهى العشرون عاماً بحالة من الفوضى الجديدة التى تسمح باستقطاب أفواج الإرهاب مجدداً إلى أفغانستان، فى ظل سيناريوهات الحرب الأهلية التى يتحدث عنها الجميع بعد انهيار الجيش الأفغانى وسيطرة «طالبان» على 90% من أفغانستان، ثم إعادة تصدير الإرهاب مجدداً للمنطقة والعالم، وربما تعيد أمريكا إعلان محاربته لو اضطرت لاستغلال تلك الورقة مجدداً! وهى ورقة رابحة للأمريكان، بشهادة التاريخ، تحقق لهم أهدافاً معلنة وغير معلنة.
ولا عزاء للأبرياء.