خبراء: منظومة التعليم والفقر والمعلمون.. أبرز أسباب التسرب
أكد عدد من الخبراء والمتخصصين أن التسرب من التعليم يرجع إلى عدة أسباب، منها استمرار الفساد فى قطاع التعليم، وتراجع الإشراف والتفتيش الوزارى على المدارس فى الريف والقرى، التى تشهد أعلى معدلات تسرب من التعليم، فضلاً عن أن مجانية التعليم وحدها لم تعد كافية لاستمرار الأسر خصوصاً الفقيرة فى تعليم أبنائها، ما يدفعها لتشغيلهم وهم فى سن مبكرة، كما أن المناهج بحاجة إلى تطوير، وأساليب التعليم بحاجة إلى تطوير لتصبح جاذبة للأطفال، خصوصاً فى مراحل التعليم الأساسى.
ففى البداية، قالت فادية مغيث، الخبيرة التربوية، إن «التعليم حالياً يُضرب فى مقتل، بعد أن أصبح لدينا مدرسون ومدارس غير مكترثين بالتعليم، فضلاً عن تفتيش وزارى لا يضطلع بدوره فى الإشراف على العملية التعليمية، خصوصاً فى القرى والمناطق المتناثرة على أطرف المدن، التى تشهد فوضى عارمه فى التعليم، حيث لا يوجد بالمدارس معلمون ولا فصول آدمية ولا بيئة تعليمية صالحة لجذب الأطفال، ما يؤكد أن منظومة التعليم ما تزال تعانى من فساد، وأن القائمين على شئون الطلاب ما زالوا ينتهجون نهج الثلاثين سنة الماضية، التى تقوم على أن قيادة الشعب الجاهل المتخلف والمنهك بالبحث عن قوت يومه أسهل من قيادة شعب واعٍ ومتعلم».
«مغيث» ترى أن الأسرة يُفترض أن تكون الداعم الأول لتعليم الأبناء، والأكثر حرصاً على التحاقهم بالمدارس واستمرارهم فى التعلم، وتذليل كافة العقبات أمامهم لمواصلة دراستهم، ولكن عندما تكون الأسرة خارج هذا الإطار بسبب الجهل أو الفقر أو الانشغال بقوت يومها، أو لأنهم لا يقدرون قيمة التعليم، فهنا تكون الدولة هى المسئولة عن تعليم الأطفال وعن إلزام تلك الأسر بتعليم أولادها».
وعن معدلات التسرب من التعليم، أوضحت الخبيرة التربوية أن ارتفاعها بشكل كبير فى مصر يعنى وجود خلل فى عملية التعليم قبل الجامعى، الأمر الذى يستوجب إعادة النظر فى السياسة العامة للمدارس، والعمل بجدية على دراسة الأسباب التى تدفع هؤلاء التلاميذ إلى الانقطاع عن التعليم، ووضع إجراءات حاسمة لإلزام أولياء الأمور بتقديم أبنائهم للتعليم فور بلوغهم السن المقررة للالتحاق بالدراسة.
وأضافت: «من فضائح عصور الفساد إلغاء السادات لأحد قوانين التعليم الإلزامى أصدره جمال عبدالناصر، ونص فيه على أن يُسجن ولى الأمر الذى لا يبلغ المنطقة التعليمية التابع لها بوصول ابنه أو ابنته لسن الالتحاق بالمدارس، وفى حالة تخلف هؤلاء الأطفال عن الدراسة كانت تذهب لجنة من مدير المدرسة ووكيلها وإحدى المشرفات لحث رب الأسرة على تعليم أبنائه وتحفيزه بأمثلة من الواقع، فى محاولة لإقناع تلك الأسر بقيمة التعليم بإعلاء نماذج المثل الأعلى. والعمل على إعادة تطبيق مثل هذا القانون من شأنه أن يلزم أولياء الأمور بإلحاق أبنائهم بالتعليم، إلى أن تصحو الدولة من غفلتها وتعيد بناء منظومة التعليم المصرى».
من جانبها، أكدت الدكتورة نادية جمال الدين، الأستاذة بمعهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة، أن «التسرب من التعليم يعد إهداراً للطاقة والثروة البشرية الهائلة التى تمتلكها مصر»، لافتة إلى أن التعليم فى المقام الأول هو إدارة دولة، ومدى إيمان الدولة بالتعليم، والميزانية التى تضعها من أجله؛ وهو ما يحدد المستوى التعليمى للشعب، ومدى تقدمه ونهضته.
وأشارت «جمال الدين» إلى أن النسبة الأكبر من الأطفال المنقطعين عن الدراسة من نصيب المناطق الريفية والحضرية المهمشة، وأن أسباب انقطاعهم تعود فى الأساس إلى الفقر، حيث يعتبر المستوى الاقتصادى للأسرة هو أول الأسباب التى تدفع الآباء لسحب أبنائهم من المدارس، فالتعليم عند الفقراء لا يدر أى عائد اقتصادى سريع، وإنما على العكس هو عبء آخر على كاهل الأسرة، فالدراسة تحتاج إلى أدوات مكتبية، وزى مدرسى، ومصاريف للكتب، وإلى دروس خصوصية، وعند هذا الحد تصبح مجانية التعليم غير كافية، ولا بد من دعم المجانية.
وأضافت: «من أهم الأسباب التى تؤدى أيضاً إلى التسرب الدراسى أن بيئة التعليم فى مصر لا تشجع على الاستمرار، فهناك مدارس تعتمد على نظام الفترات الدراسية الصباحية والمسائية لعدم وجود أبنية كافية، وبالتالى عدد فصول محدود يتكدس الطلاب داخلها، كما لا يوجد اهتمام بالأنشطة المدرسية التى من شأنها جذب الأطفال، وعدم توفير وجبة غذائية صحية نظيفة للطفل، إلى جانب أن المعلم له دور أساسى فى جذب واستمرار الأطفال فى الدراسة. إلا أن الموجود على أرض الواقع هو معلم غير راضٍ عن مهنة التدريس، ما ينعكس بالسلب على أدائه فى التعامل مع التلاميذ، فهو لا يحترم الطفل ولا يتعامل معه بقدر من الحنان والحب بما يعادل ما هو واجب عليه أن يعلمه، وفى الوقت يوجد من المعلمين من يعاقب الطفل بقسوة، ما يولِّد الخوف داخله، وهو ما سيؤدى حتماً إلى تسربه».
وتابعت «جمال الدين»: «لا نعفى المناهج الدراسية من المسئولية، فهى تعانى من جمود فى المحتوى، وتفتقر إلى التحديث وعوامل الجذب والتشويق، والأهم من ذلك أنها لا ترسخ لدى الأطفال أن التعليم فى حد ذاته هدف، وليس مجرد وسيلة مستقبلية للتوظيف أو جمع الأموال، لذلك لا بد من إعادة تقييمها وتعديلها، وتطوير الطريقة التى تدرس بها، وتدريب المعلمين ذاتهم بشكل دورى، وإلا أصبحت المدارس عامل طرد للأطفال».
من جانبه، قال شاكر ندا، مدير الإدارة التعليمية بمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، إن «نسبة التسرب من التعليم تتفاوت من منطقة إلى أخرى، فالمناطق الريفية والصناعية ترتفع فيها نسبة التسرب عن غيرها، حيث تتوافر مجالات عدة لعمالة الأطفال، وخصوصاً الذكور منهم، كالحقول والمزارع على مستوى الريف، والعمل فى مهنة الأب أياً كانت، ويؤدى توافر هذه المجالات إلى انقطاع التلاميذ عن صفوف الدراسة، وتصبح قبلتهم بدلاً من المدارس».
وأوضح «ندا» أن أعلى نسب تسرب من التعليم ترتبط بالشريحة العمرية من 7 إلى 12 عاماً، وأن هذا الارتفاع فى نسبة الانقطاع الدراسى فى المناطق الريفية ينذر بسيطرة شبح الأمية تدريجياً عليها، وهى لم تتخلص من وطأته حتى الآن.
وفى المدارس التابعة للإدارة التعليمية بمركز كوم حمادة، أوضح «ندا» أن عدد المقيدين بحلقة التعليم الابتدائى بلغ 52569 تلميذاً، انقطع منهم 660 تلميذاً للعام 2011/2012، فيما بلغ عدد المنقطعين فى عام 2013/ 2014 من حلقة التعليم الإعدادى 431 تلميذاً من إجمالى 20090 تلميذاً، مضيفاً: «ليس للمدرسة دور فى التسرب، بل هى تكافح ذلك، ففى حال تغيب التلميذ عنها لأكثر من شهر دون تقديم عذر، فهذا يعد انقطاعاً أو تسرباً، والمدارس لديها آليات لمعالجة المشكلات التى قد تكون سبباً لهذا الانقطاع، عن طريق استدعاء أولياء الأمور، وتفعيل دور الإخصائيين الاجتماعيين ومجلس الأمناء لإعادة التلاميذ المنقطعين إلى مقاعد الدراسة، والعمل على إيجاد حلول للأسباب التى دفعتهم للانقطاع، وإذا فشلت المحاولات يُرفع الأمر إلى وزارة التربية والتعليم».
وأشار «ندا» إلى أن «الإدارة التعليمية نجحت أكثر من مرة فى إعادة عدد من التلاميذ المنقطعين إلى مدارسهم، بعد رضوخ أولياء الأمور وتهديدهم بالمساءلة القانونية، إلا أن المغريات التى يجدها أولياء الأمور فى عمل أطفالهم وجنى الأموال من ورائهم أكبر من قناعاتهم بأهمية التعليم ودوره فى بناء المجتمع، لذلك يعاودون سحب أبنائهم من الدراسة مرة أخرى».
وترى الدكتورة عزة العشماوى، الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة، أن ظاهرة التسرب من التعليم رافد من روافد ظاهرة أطفال الشوارع، قائلة: «التسرب من التعليم من أبرز القضايا التى تؤرق المجتمع، فهى تزيد من معدلات الأمية والجهل والبطالة، كما تفرز للمجتمع ظواهر خطيرة كعمالة الأطفال واستغلالهم، وظاهرة الزواج المبكر».
وأضافت «العشماوى»: «تتداخل عوامل مجتمعية واقتصادية وثقافية فى محيط البيئة التعليمية، وتساعد فى وجود هذه الظاهرة، التى تنتج أطفالاً يضيقون بالمجتمع، ويعانون الحرمان من التعليم ومن النمو الجسدى الطبيعى، وعدم التوازن النفسى والعقلى، حتى يصبحوا عبئاً ثقيلاً على المجتمع يُعاقب بانحرافاتهم النفسية والسلوكية، وقد شهدت مصر فى السنوات الثلاث الماضية تصدر هؤلاء الأطفال للمشهد السياسى، وأصبحوا وقوداً لأعمال العنف والشغب». وعن الآثار المترتبة على انقطاع الأطفال عن الدراسة، قالت «العشماوى»: «إنه فى حال عدم وجود آليات فعالة لمواجهة تلك الظاهرة، وإن لم تتكاتف مختلف مؤسسات الدولة لمواجهتها، فسيشكل هؤلاء الأطفال مجتمعاً داخل المجتمع، وينفصلون عنه وهم بداخله، ويقيمون فيه دويلاتهم الخاصة التى سيصبح من الصعب السيطرة عليها، الأمر الذى سيؤدى بالضرورة إلى التفكك، وسيجعل منهم فريسة سهلة للانحرافات الخلقية والاعتداءات بمختلف أشكالها»، لافتة إلى أن حادثة المرأة الأمريكية التى نشرتها الصحف فى الشهور الماضية، وكانت تستغل أطفال الشوارع فى أعمال العنف والاعتداءات الجنسية، خير دليل على ذلك، فبتتبع الحادثة تبين أن بينهم نحو 15 طفلاً متسرباً من التعليم، وكانوا مقيدين بمدارسهم، فتسرب الأطفال من مدارسهم حتماً سيزيد من معدلات الجريمة فى المجتمع.
وشددت الأمين العام لـ«القومى للطفولة» على ضرورة التصدى لتسرب الأطفال من التعليم، خصوصاً فى مراحله الأساسية، من خلال توفير الخدمة التعليمية للأطفال فى البيئات الريفية والنائية بالحضر، وبجانب مجانية التعليم يجب وضع قوانين تلزم رب الأسرة باستمرار أبنائه فى التعليم، إما بالسجن أو بفرض الغرامات، وتجهيز المدارس بكافة الإمكانيات التعليمية والصحية والترفيهية، والعمل على رفع مستوى الوعى لدى المجتمع بأهمية وضرورة التعليم، مضيفة: «المعلمين كذلك فى حاجة إلى مزيد من التدريب والتحديث، ورفع دخلهم حتى يصبحوا أكثر إنتاجية، ولا بد أن تعمل وزارة التربية والتعليم على تعديل طريقة التعليم والمناهج».