«الحجامة» تراث عربى يثير اهتمام الغرب
علاج الآلام بـ«كاسات الهواء» وتحذيرات من خطورتها على الصحة
الحجامة
«الحجامة» تراث متأصل فى تاريخ العرب، تتغير اللكنات والطبع ثابت، يظهر ذلك جلياً فى الأمثال الشعبية المتداولة بمختلف اللهجات، ففى مصر مثلاً يقال: «يتعلم الحجامة فى رؤوس اليتامى»، وفى المغرب: «فى رأس ذا اليتامى ليتعلموا الحجامة»، لكن الوصول إلى حد الإيمان الراسخ بأهميتها دفعها إلى مواجهة صعبة، و«متشنجة» أحياناً، مع الطب الحديث، خاصة عندما يطلق عليها البعض «الطب البديل» أو «الشعبى»، الذى يلجأ إليه كثيرون دون الرجوع إلى الأطباء، وهو الأمر الذى يثير حفيظة أهل العلم. إلى أن تدخّل الرأى الدينى الذى أقرّ بكونها سُنة نبوية، تتطلب عدة شروط فى المعالِج بها حتى لا يقع المريض فى فخ مُدعى العلاج بالحجامة، ما قد يهدد حياته. ومؤخراً خرجت الحجامة من النطاق العربى إلى الغربى، وظهرت فى دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة التى أقيمت فى «طوكيو»، حيث لاحظ البعض لاعبين من دول مختلفة تظهر علامات العلاج بالحجامة على أنحاء متفرقة من جسدهم وخاصة «الظهر». «الوطن» تفتح الملف وتعرض الحجامة بمفهومها الشامل، وتجارب المصريين الجيدة والرديئة معها، وسقوط بعضهم فريسة بين أيدى «النصابين»، كما تعرض رأى أحد المعالجين والحاصل على شهادة تجيز له التعامل مع المرضى، حيث يتحدث عن طرقها الصحيحة وظروفها، إلى جانب رأى الأطباء فى مواضع استخدامها، ومتى تشكّل خطراً على صحة من يتلقى العلاج، وإيضاح الرأى الدينى فى استخدامها وضوابطه.
الخشونة وفقرات الظهر.. أكثر الأمراض خضوعاً لها
«الحجامة بالفاس ولا الحاجة للناس».. مَثَل مصرى قديم تداوله العامة، موثّق فى كتاب «العادات والتقاليد المصرية فى عهد محمد على»، للتدليل على أنّ تحمُّل ألم الحجامة ولو كانت بـ«الفأس»، أفضل من أن يكون فى ذمتهم شىء للغير، كما أشار المثل إلى قِدم «الحجامة» فى الثقافة الشعبية، باعتبارها من أهم أشكال «الطب البديل» فى مصر، أو أكثرها شيوعاً، ليس محلياً فقط وإنّما عالمياً أيضاً، وهو ما ظهر جلياً فى «أولمبياد طوكيو 2020»، حيث بدت آثارها على أجساد الرياضيين الأوروبيين المشاركين فى البطولة التى استضافتها اليابان، وتناقلتها وسائل الإعلام الغربية لـ«غرابتها» وعدم شيوعها فى القارة الأوروبية.
«العلاج بكاسات الهواء».. مسمى آخر يطلق على الحجامة، التى اقتربنا أكثر من عالم المعالجين بها، والساعين دائماً لاستخدامها «مُسلّمين» أمرهم للنصيب، فإما أن يقعوا بين أيدى محترفين فتذهب آلامهم، أو تتشوه أجسادهم على أيدى «نصابين».
تجربة سيئة بـ«العيش والفحم» على ظهر «قرنى»
محمد قرنى (56 عاماً)، عاش تجربة سيئة مع الحجامة قبل عام، تعرض خلالها لـ«حروق» على يد شخص جمعته به «جلسة صحاب»، حيث كان «النصاب» موجوداً لعلاج أحد أصدقائه، فقرر خوض المغامرة علّها ترحمه من آلام خشونة القدم وفقرات الظهر، لكن المغامرة انتهت بـ«حروق» فى الظهر: «خلانى نمت على وشى وراح جايب فحم وعيش ناشف سخن، وحط على ضهرى منديل وحط العيش السخن، وبعدين جاب كوباية حط فيها منديل وراح مولع فيه، الدخان بقى جوه، حطه على ضهرى وقعد يسحب»، وبعد انتهاء الجلسة سكنت آلام الرجل الستينى تماماً، لكنها عادت مرة أخرى رفقة آلام الحروق بعد ساعة من انتهاء الجلسة، حتى إنّ آثار الحروق ما زالت موجودة على ظهره، تذكّره بوقوعه فى فخّ «الحجّام النصّاب».
«هو اللى جاب واحد نصاب».. بهذه الجملة التقط على عيسوى (36 عاماً)، الحديث من زميله، راوياً تجربته الجيدة مع «الحِجامة» فى علاج والدته التى كانت تعانى من ألم مستمر فى العظام وفقرات الظهر بسبب زيادة الوزن، وكانت «الحجامة» بوابتها للشفاء، بعد أن فشلت العقاقير فى تخفيف آلامها المبرحة، مشيراً إلى أنّ الوقوع فى شباك النصابين يأتى حال الإهمال فى التحقق والسؤال جيداً عن «الحجّام» كما الحال مع الأطباء، حيث نسأل كثيراً عن الأطباء قبل الذهاب لأحد منهم، للتأكد من كفاءته.
«أمانى» لجأت لها للتعافى من آثار «كورونا والشوكة العظمية»
وعملاً بمبدأ التحقق، كانت التجربة العملية للمحيطين هى ما دفعت أمانى سعيد إلى اللجوء إلى الحِجامة والاستعانة بـ«حجّامة» بعينها، بعد معاناتها مع الشوكة العظمية، وما تبعها من معاناة بعد تعافيها من (كوفيد - 19) ودخولها فى دوامة «ما بعد كورونا» وشعورها المستمر بآلام فى جميع أجزاء جسدها، خاصة أنّ الأطباء اكتفوا بنصحها بالاعتماد على الفيتامينات: «خديها وكل حاجة هتبقى تمام»، لكن شيئاً لم يتغيّر فى حالتها الصحية.
استسلمت «أمانى» لآلامها وحاولت التعايش معها، لكن نتيجة الحجامة مع صديقتها المقربة التى تعافت بنسبة 80% من آلام ظهرها منذ الجلسة الأولى دفعتها للتجربة، فبدأت البحث عن «حجّامة» خبيرة ولها تجارب ناجحة، قريبة من محل سكنها فى القاهرة، عملاً بمبدأ «لو مانفعتنيش مش هتضرنى».
بدأت أولى جلساتها بتعليمات محددة من «الحجّامة» التى حددت لها 3 جلسات فى أوقات ثابتة، يلزم بعدها راحة من 24 لـ48 ساعة، كما طلبت منها تناول أعشاب بعينها لمدة 10 أيام لتخليص الجسم من نسبة الأملاح المتراكمة به، وتخفيف آلام الشوكة العظمية، إلى جانب الجلسات، وبعد انتهاء الجلسات بدأت «أمانى» فى الشعور بالتحسّن، بعد أن بدأت الآلام فى الاختفاء تدريجياً.
دفعت «أمانى» 200 جنيه فى كل جلسة، وإذا أرادت أن تأتى الحجامة إلى منزلها ستصبح 300، لكن هناك آخرين احترفوها دون الحصول على أجر، ومنهم الشيخ محمد أبوالحسن، كبير معلمى رياضيات فى القاهرة، وحاصل أيضاً على ليسانس دراسات إسلامية، وإمام وخطيب بنظام المكافأة بوزارة الأوقاف، الذى بدأ مشواره كـ«حجّام» قبل أكثر من 20 عاماً، بعد أن رأى نتيجتها على والدة صديقه، وعرف مفاتيحها من بدوى يعيش فى سيناء، وكان ينوى احترافها وكسب المال منها، كما حصل على دورات تدريبية عن الطب البديل والعلاج بالحجامة من قبَل مراكز معتمدة، حتى كانت الواقعة التى غيّرت مساره: «عملتها لواحد عنده العصب السابع وبعدها دعالى، قلت له خلاص مش عاوز فلوس، وبدأت أعملها لله».
لإجراء الحجامة شروط وقواعد، إذ يقول «أبوالحسن»، 56 عاماً، إنّها تعالج كل الأمراض لأنها مرتبطة بالدم، وللحجّام شروط أيضاً: «أى حد بيمسك مشرط أو موس هينزل دم لأنه جلد، لكن الفارق إن الحجّام بيفتح المسام، الدم بيطلع بالشفط لكن مش تعويرة، والحِجامة مابتطلعش دم سايل، بتطلع كرات دم حمراء بتبقى شبه الكبدة».
يوضح «أبوالحسن» أنّ الحجامة مرتبطة بالأيام الفردية من بعد يوم 17 فى الشهر الهجرى، لإخراج الشوائب الموجودة فى الأوردة، فتكون كرات الدم بلغت 120 يوماً: «القمر بيكون قريب من الأرض بعد النص التانى من الشهر الهجرى، لذا فافضل موعد لعمل الحجامة يكون أيام 17، 19، 21، ويفضل إجراؤها فى فصلى الربيع والخريف، وأقصى مدة لجلسة الحجامة ساعتان»، مؤكداً أن هناك الكثير يجرونها دون مرض كل عام أو كل شهرين.
أكثر الأمراض التى تتطلب حجامة، حسب «أبوالحسن»، هى العصب السابع وخشونة المفاصل وضعف العصب البصرى وعرق النسا، مشيراً إلى أنّها نوعان «رطبة» وهى بالوخز أو التشريط، و«جافة» دون وخز أو تشريط، وتسمى «متزحلقة» أو «كاسات الهواء»، كما أنّها فعالة فى علاج ضعف المبايض لدى السيدات.