سورة الإسراء من السور المكية ما عدا الآيات 32، 33، 57، ومن الآية 73: 80 فمدنية، وهى من السور المئين، آياتها 111 وترتيبها فى المصحف 17 وهى فى الجزء الخامس عشر، قال بعض المفسرين إنها نزلت بعد سورة القصص، بدأت بالتسبيح، وتسمى أيضاً سورة بنى إسرائيل، من مقاصدها أنها جاءت لتقرير التوحيد ونبذ الشرك وبيان كمال الرسالة المحمدية، وفيها إشارات وبشارات للرسالة مضموناً ومستقبلاً، ومما يميّز السورة أنها تكلمت عن القرآن الكريم بشكل تفصيلى دقيق لم يرد فى باقى سور القرآن بأنه كتاب هداية، وتعرضت أيضاً لحادثة الإسراء التى كانت مظهراً من مظاهر التكريم والتشريف الإلهى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، بعد ما لاقاه من أذى المشركين، ومما جاء فى فضلها ما أخرجه الترمذى فى سننه من حديث عائشة قالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم، لا ينام حتى يقرأ الزمر وبنى إسرائيل، وفى رواية الحسن بن عمر: كان يقرأ كل ليلة تنزيل السجدة والزمر.
مقاصد سورة الإسراء وبيان الآثار والفضائل التى وردت لأجلها، فإنه يستحسن البدء بشرح قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهوداً»، حيث تعد هذه الآية الكريمة أصلاً فى أوقات الصلوات الخمس، فقوله تبارك وتعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس: هذا وقت صلاتى الظهر والعصر، وقوله، جل فى علاه، إلى غسق الليل: هذا وقت صلاتى المغرب والعشاء، وقوله تعالى: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً: هذا وقت صلاة الفجر، فالصلاة لا تصح إلا إذا أقيمت فى وقتها، لقول اللَّه سبحانه وتعالى «إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً» وأوقات الصلوات الخمس لا تخرج عن قوله تعالى فى هذه الآية التى هى مدار البحث والتبين.
قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره «يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، آمراً له بإقامة الصلوات المكتوبات فى أوقاتها: أقم الصلاة لدلوك الشمس قيل لغروبها قاله ابن مسعود، وغيره، وعن ابن عباس «دلوكها» زوالها، وهى رواية أيضاً عن ابن مسعود واختاره ابن جرير، ومما استشهد عليه ما رواه عن ابن حميد عن جابر بن عبداللَّه رضى اللَّه عنهما قال: دعوت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومن شاء من أصحابه فطعموا عندى، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم فقال «اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس» فعلى هذا تكون هذه الآية دخلت فيها أوقات الصلوات الخمس، فمن قوله: لدلوك الشمس إلى غسق الليل وهو ظلامه، وقيل غروب الشمس، أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقوله تعالى: وقرآن الفجر: يعنى صلاة الفجر، وقد ثبتت السنة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، تواتراً من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات، على ما عليه عمل أهل الإسلام اليوم، مما تلقوه خلفاً على سلف، وقرناً بعد قرن، كما هو مقرر فى مواضعه، وللَّه الحمد وفى هذه الآية: «إن قرآن الفجر كان مشهوداً» قال الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وأخرج البخارى فى صحيحه عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلاة الفجر، ويقول أبوهريرة: اقرأوا إن شئتم: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً، وبنحوه أخرج الإمام أحمد فى مسنده، وقال الإمام الواحدى فى تفسير الكتاب العزيز «أَقِمِ الصَّلَاةَ» أى: أدمها لِدُلُوكِ الشَّمْسِ من وقت زوالها إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، إقباله بظلامه، فيدخل فى هذا صلاة الظهر والعصر والعشاءين، وَقُرْآنَ الْفَجْر يعنى: صلاة الفجر سماها قرآناً، لأن الصلاة لا تصح إلا بقراءة القرآن «إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً» تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار.
معانى المفردات فى آية: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، هل لمفردات هذه الآية معانى؟ بعد الفراغ من بيان تفسير قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهوداً»، فيحسن مع بيان تفسيرها بيان مفرداتها لكى يزول الإشكال أيضاً حتى يزيد من فهم الآية الكريمة: فى قوله تعالى «أقم الصلاة لدلوك الشمس»، دلوك: اسم مصدره دلك، ومنه دلوك الشمس: أى ميلها للغُروب وهو من الزوال إلى الغروب، ويدخل فى وقت دلوك الشمس صلاتا الظهر والعصر، وقوله تعالى إلى غسق الليل، وغسق الليل: إذا أظلم واشتدت ظلمته، يقول اللَّه تعالى فى سورة الفلق «وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ» أى إذا اشتد ظلام الليل والمعنى: ألتجئ بالله العظيم وأعتصم به من شرور الليل إذا اشتد ظلامه وما فيه من شرور ولصوص، ويدخل فى هذا الوقت صلاتا المغرب والعشاء «العشاءين» وقوله تعالى وقرآن الفجر: أى صلاة الفجر، وسميت قرآناً لأن الصلاة لا تصح إلا بالقراءة، كما نبه على ذلك الإمام الواحدى فى تفسيره.
وقوله تبارك وتعالى: إن قرآن الفجر كان مشهوداً: أى تشهده ملائكة الليل والنهار، كما جاء فى التفسير، ومشهوداً: مشهود: اسم مفعول من شهد بمعنى حضر وشاهد والمقصود فيه بالآية الكريمة هم الملائكة.
إعراب آية: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، بعد الفراغ من بيان معانى قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهوداً» وبيان تفسيرها، يحسن حينئذ الكلام حول الآية من الناحية الإعرابية: أقم: فعل أمر مبنى على السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت، الصلاة: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، لدلوك: اللام حرف جر، ودلوك: اسم مجرور باللام وعلامة جره الكسرة، الشمس: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، إلى غسق: إلى حرف جر، وغسق اسم مجرور بإلى وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، الليل: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وقرآن: الواو عاطفة، قرآن معطوف على الصلاة منصوب، فيكون اسما منصوباً وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، الفجر: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، إن: حرف توكيد ونصب، قرآن: اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، الفجر: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، كان: فعل ماض ناقص، ناسخ، واسمه ضمير مستتر تقديره هو، مشهوداً: خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
الثمرات المستفادة من آية: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، ماذا يستفاد من هذه الآية؟ من الثمرات المستفادة والمستنبطة من قول اللَّه جل وعلا «أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلوكِ الشَّمسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ وَقُرآنَ الفَجرِ إِنَّ قُرآنَ الفَجرِ كانَ مَشهوداً» أن وقت دخول الصلاة التى هى شرط لصحتها تؤخذ من هذه الآية جملة، وفى السنة المتواترة تفصيلاً، وبيان ذلك أن قوله: لدلوك الشمس يدخل فيه وقت صلاتى الظهر والعصر، وقوله: إلى غسق الليل يدخل فيه وقت صلاتى المغرب والعشاء، وقوله وَقُرآنَ الفَجرِ: أى صلاة الفجر.
وأيضاً أن لفظ الدلوك معناه ميل الشمس من الزوال إلى الغروب وهو وقت صلاتى الظهر والعصر، وأيضاً لفظة العشى هى بمعنى الدلوك، لأن وقت العشى يمتد من الزوال إلى الغروب، والدليل قوله تعالى فى سورة غافر «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِى وَالْإِبْكَارِ»، وفى تفسير وقت العشى كما فى معجم المعانى الجامع الوقت من زوال الشمس إِلى المغرب، ومن السنة ما أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: صلى بنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إحدى صلاتى العشى، الظهرِ قال أو العصر، فصلى بنا ركعتين ثم سلم، إن قوله إلى غسق الليل: أن الغسق جاء تفسيرها فى سورة الفلق «وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَب»، وقوله وقرآن الفجر: سمى الصلاة بالقرآن لأن القراءة ركن فيه فلا تصح الصلاة بدونها، كما فى حديث أبى هريرة أنه: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال «قسمت الصلاة بينى وبين عبدى» وقال مرة: «ولعبدى ما سأل، فإذا قال: الحمد للَّه رب العالمين» الشاهد أن اللَّه تعالى سمّى الفاتحة صلاة وذلك لأن الصلاة لا تصح بدون الفاتحة.