خريزة.. مجاهدون فى عشش صفيح وعملاء فى سيارات فارهة
هنا لا توجد كهرباء ولا مياه ولا خطوط اتصال، فقط جهل وفقر وتهميش ومجاهدون وعملاء لإسرائيل. «خريزة» حيث يعيش 2000 نسمة تحت خط الفقر يعانون من نقص كل شىء، لا مستشفى أو وحدة صحية ولا مواصلات ولا اتصالات، فقط رمال الصحراء وعقود من الإهمال الحكومى والكثير من الإغراءات الإسرائيلية.
كان علىّ أن أستأجر سيارة خاصة تقطع 136 كيلومتراً، لأصل إلى أرض قبيلة «البريكات»، فلا توجد أى شبكة مواصلات تخدم أبناء وسط سيناء. مساكن بسيطة وعشش من الصفيح، يعيش بها أهالى القرية التى شهدت أول عمليات عسكرية إسرائيلية، داخل الحدود المصرية بعد حرب التحرير، انتهت باغتيال «الجهادى» إبراهيم عويضة بمساعدة 3 عملاء لإسرائيل.
تبدو القرية حين دخلتها وكأنها مهجورة، أطلال مبانٍ، ومنازل بسيطة للغاية، وعشش من الخوص والصفيح متناثرة هنا وهناك، إلى جانب مبنى مهجور به محول للكهرباء، يبدو أنه لم يعمل منذ فترة فتوقف عن العمل، بعد ما ندر وجود السولار، وغلا سعره فى السوق السوداء، على أبناء القرية الفقراء، المتحفظين للغاية الذين زادت حادثة «عويضة» حذرهم وتخوفهم من الغرباء.
فى مضيفة منزله استقبلنى الشيخ عبدالله فراج، أحد مشايخ «السلفية الدعوية»، ليحكى لنا قصة عقود من الإهمال تعرض له بدو القرية. صاحب الوجه الصارم أخذ يروى قصة اكتشاف عملاء إسرائيل فى سيناء: عندما اغتيل «عويضة» تحرك قصاصو الأثر من أبناء قبيلة «البريكات»، البارعون للغاية فى قص الأثر، منذ زمن بعيد، واقتفينا الآثار القريبة من الحادث، حتى عثرنا على آثار 3 سيارات قادمة من اتجاه الحدود التى تبعد عنا من 14 إلى 16 كيلومتراً، ووصلنا إلى خط الحدود، وهناك اكتشفنا أقدام 3 أشخاص قادمين من داخل إسرائيل إلى سيناء، وانتهت عند آثار سيارة «نصف نقل»، حددنا نوع السيارة من آثار «الكاوتشوك» الخاص بها، وبالتحريات اكتشفنا أن تلك السيارة كانت سيارة العميل «منيزل»، وبالمصادفة شاهده أحد أبناء المنطقة.[Quote_1]
سألته من قبض على «منيزل» وحقق معه؟ صمت قليلاً ثم قال: «لا أعرف، لكن هناك مجهولين تسلموه وأجروا معه تحقيقات مكثفة، اعترف فيها بعمالته لإسرائيل ومشاركة اثنين معه فى اغتيال عويضة».
المعلومات المتوافرة من مصادر قريبة من جماعة «أنصار بيت المقدس»، التى انتمى إليها «عويضة»، الشهير بإطلاق الصواريخ على سيناء، تقول إنه بمجرد أن حدد قصاصو الأثر السيارة وهوية صاحبها، وتوصلوا إلى «منيزل» الذى كانت تحوم حوله الشبهات، قامت مجموعة من المجاهدين بإلقاء القبض عليه وأجروا معه تحقيقاً، وصفوه بأنه كان صعباً للغاية، حيث أصر «منيزل» فى بدايته على النفى، حتى اعترف بكل شىء، وقال إنه تقاضى 300 ألف دولار مع اثنين آخرين، مقابل لصق شريحة فى دراجة «عويضة»، وقالت المصادر إن المتهم الثانى «سليمان سلامة حمدان» الذى سلمته عائلته للمجاهدين، بمجرد علمها بخيانته، قتل فى سرية حفاظاً على اسم عائلته، التى تبرأت منه، وكان «سليمان» أسهل فى اعترافاته وأسرع، وصورت اعترافات الاثنين، وسلمت لجهة سيادية، ومن المنتظر أن يقوم الجهاديون بعرض اعترافات «سليمان» على أحد المواقع الجهادية، لكن بعد حذف صور وأصوات المحققين من الشريط.
نعود للشيخ عبدالله الذى أكد أن أسرة العميل الثالث «سلامة محمد سلامة» الذى هرب إلى إسرائيل، هربت هى الأخرى من القرية، وأحرق مجهولون منزلهم عقب الحادثة، مطالباً الحكومة باستعادة هذا «العميل» لعقابه على خيانته، ومشاركته فى اغتيال «عويضة».
ويفجر الشيخ مفاجأة، إذ يؤكد أن «منيزل» ورفيقه سليمان اعترفا بوجود قائمة اغتيالات إسرائيلية لأربعة من أبناء قرية تتهمهم إسرائيل بالمشاركة فى هجمات على جنودها، سألته عنهم أجاب: «إنهم يعيشون بحرص شديد، وتخلصوا من تليفوناتهم المحمولة، لأنها أسهل طرق الرصد، كما أنهم يغيرون أماكن مبيتهم وخطوط سيرهم باستمرار، بحيث يصبح رصدهم وتعقبهم صعباً للغاية»، رافضاً الكشف عن أسمائهم أو إخبارنا بأماكنهم، معتبراً أن ظهورهم يحمل خطورة على حياتهم.[Quote_2]
اعتدل الشيخ فى جلسته، وارتفع صوته محذراً: «نعانى هنا من انتشار عملاء لإسرائيل، نعرف بعضهم ونشك فى آخرين»، مضيفاً: كما ترى نعيش بلا أى وسائل حياة آدمية فلا مياه ولا كهرباء ولا خطوط اتصال ولا شبكات محمول، بينما نعتمد على شبكة الاتصالات الإسرائيلية «أورانج»، رغم أنها مكلفة «الدقيقة تكلف 3 جنيهات» لكنها شبكة الاتصال الوحيدة التى تربطنا بالعالم، وفى نفس الوقت هى مكمن الخطورة، فكل مكالماتنا مرصودة لدى الاستخبارات الإسرائيلية، التى لم تتورع عن الاتصال بأبناء القرية، وعرض مبالغ مالية كبيرة عليهم، مقابل التعاون مع «الموساد» وقد حكى الكثيرون عن تلك المكالمات، الأغلبية ترفض التعاون مع «الموساد»، لكن ضعاف النفوس ونقص الإمكانات ساهما فى انتشار العملاء، خاصة أن «أبوسليم» ضابط «الموساد» على الجانب الآخر، الذى يجرى المكالمات، يعرض الكثير من الإغراءات، وهو للأسف يملك الكثير من المعلومات، التى تشعر من يسمعه أنه يعرف كل شىء عنه، والخطير -يضيف الشيخ عبدالله- أن رقمه متداول مع كثير من الأهالى، وقد أبلغنا الجهات الأمنية وطالبنا بضرورة تغطية شبكة المحمول لنا، وفرض تشويش على الشبكة الإسرائيلية بلا جدوى.
ويلتقط «على سيف الله» طرف الحديث متحدثاً بغضب: نعيش فى منطقة مهجورة تماماً، بلا أى حياة، نشعر أننا غير موجودين على خريطة الدولة، وعندما سألنا عن سبب منع خدمة التليفون عنا، رغم وجودها فى الكونتيلا بعدنا بحوالى 30 كيلومتراً، قالوا إن أجهزة أمنية منعتها، معلقاً: «بهذه الطريقة ينشطون شبكات المهربين الذين يعتمدون فى عملهم على الشبكة الإسرائيلية، ويكثر العملاء الذين يقعون ضحية للضغوط والإغراءات الإسرائيلية».[Quote_3]
أصرّ الشيخ محمد عبدالله الذى تجاوزت سنواته الستين على اصطحابى إلى منزله لأرى بنفسى كيف يعيش مع أسرته كبيرة العدد فى «عشة» من «الصفيح» ويربى أغنامه فى أخرى، وعلى مسافة كيلومترين من «عشة» الشيخ محمد، كان الشيخ إبراهيم البريكات، والد أقدم السجناء الأمنيين فى إسرائيل، يشعل نيران «الكانون» ليقدم لنا كوباً من الشاى السيناوى، وقف الرجل الذى تجاوز السبعين بجوار حفيده، الذى لم يتجاوز الـ13عاماً، يشعلان النار، ترك الشيخ الكبير مهمة إعداد الشاى للفتى الصغير، وحكى لنا قصة ابنه «مساعد البريكات»، الذى قبضت عليه إسرائيل منذ سبع سنوات، دون أى تهمة. صمت قليلاً ثم قال: «إذا كانت هناك أمور سرية بينه وبين المقاومة الفلسطينية، فأنا لا أعرفها، كل ما أريده عودة ابنى، وأناشد الرئيس مرسى أن يتدخل للإفراج عنه، ضمن صفقة مع إسرائيل، خاصة أنه لم يرتكب أى جرم، فهو سجين سياسى وليس جنائياً، وإذا لم يستطِع لأى أسباب متعلقة بالحكومة، فليأتِ به ليكمل مدة حكمه فى السجون المصرية، لأتمكن من رؤيته ولو مرة واحدة، قبل أن أموت، فلن أقبل بدخول الأرض المحتلة، لأراه هناك، لأنى لا أعترف بهؤلاء الصهاينة من الأساس».
أخبار متعلقة:
صناعة الفشل باسم «المشروع القومى» و«الجهاز الوطنى»
سيناء المجنى عليها
«وادى النصب» أول نقطة تتنفس الحرية فى الجنوب
العميد صفوت الزيات: عمليات تطهير سيناء تستغرق بين 5 و10 سنوات
«حازم المصرى» الارتباط موجود بيننا وبين تنظيمات غزة.. ولا نعترف بالحدود
«تدويل سيناء».. محاولة إسرائيلية للضغط على مصر
سيناء.. للتدهور أسبابه
القرش وكبريت وبورتوفيق أماكن شاهدة على بطولات الجندى المصرى
مسعد أبوفجر: «حماس» أخطر على سيناء من إسرائيل
بضائع وسيارات وأسلحة وأفراد وأموال.. إمبراطورية «الأنفاق» أقوى من الدولة
من «البندقية» إلى «الدوشكا».. 4 خطوط لتهريب السلاح
خريزة.. مجاهدون فى عشش صفيح وعملاء فى سيارات فارهة
خبراء و«ثوار» فى ندوة «الوطن» يجيبون عن السؤال الصعب: هل ضاعت سيناء؟
سيناء ما بين التهميش والبيع
رأس العش معركة العزة وعودة الروح