تعددت التحليلات التى قدمها أساتذة علم الاجتماع والطب النفسى حول ظاهرة انتهاك الخصوصية -لا سيما المتعلقة بالمشاهير- التى أصبحت تطل تقريباً يومياً بكل أبعادها السلبية. التحول الغريب الذى قلب آفة ممارسة انتهاك التفاصيل الخاصة بحياة الآخر من الغير إلى قيام الطرف الأول بدور «الفاعل» فى كشف أدق تفاصيل حياتهم الشخصية حتى وصل بعضها إلى كشف خصوصيات غرف نومهم.. لتصبح مادة متداولة على مختلف وسائل التواصل الاجتماعى.. أو سلعاً مطروحة للعرض فى سوق فضائى لا حدود له. الظاهرة لم تعد تقتصر على عالم محدد بعدما اقتحمتها شخصيات من مجالات أخرى. عن هذه الظاهرة، ما زالت السهام توجه فقط نحو وسائل الإعلام.. لكن هل هى فعلاً المتهم الوحيد؟
الأجيال الفنية السابقة نأت بنفسها عن الانزلاق إلى هذه الدوامة -إلا فيما ندر- إذ لم تتجاوز أخبار المجلات الفنية أخبار الزواج والطلاق أو جلسة تصوير داخل منازل المشاهير فى مختلف المجالات. هذه الأجيال كانت مشبعة بالإبداع -كل فى مجاله- سواء الفنى، الثقافى، الرياضى، سعت عبر الصحافة ووسائل الإعلام المتاحة آنذاك إلى تسويق صورة إبداعها أمام العلن بدلاً من متاهات تفاصيل ومشكلات حياتهم الشخصية، خصوصاً مع حالة الثراء الإبداعى التى غلبت الحياة الفنية والثقافية فى تلك المرحلة. بلا شك أحد أسباب انسياق البعض إلى تسول الشهرة عبر استعراض أدق تفاصيل حياتهم الخاصة أو افتعال أزمات بهدف الإثارة هى حالة الفراغ الإبداعى. إحقاقاً للحق، الدراما فقط -تحديداً فى شهر رمضان الماضى- كان لها النصيب الأكبر من الإبداع مقارنة بالسينما والمسرح، بعدما خلقت مستوى رائعاً جمع بين تميز مقومات العمل الدرامى واستلهام الوعى الوطنى فى ثلاثة مسلسلات، الاختيار، هجمة مرتدة، القاهرة كابول.
الدافع الآخر وراء انتشار الظاهرة السلبية نهم أصحابها لتصدر فقرات برامج «التوك شو» التى تلجأ لعرض الأخبار المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعى كمادة يومية، وهى إشكالية غالباً ما تحمل خلطاً بين الشق الإيجابى والسلبى. ما لاشك فيه أن هذه البرامج نجحت فى إلقاء الضوء على عدة مواطن فساد، سواء مهنى، مالى، أو اجتماعى، عبر نقل أحداثها من وسائل التواصل ومناقشة المسئول المختص بكل منها. من جهة أخرى، لم يتغلب «التوك شو» على مقاومة الإغراء وهو يخصص مساحة للتطرق إلى ما ينشره بعض المشاهير بغرض الإثارة وجذب الاهتمام.
هذا التسابق بين بعض من صادفوا الشهرة على خدش الصورة العامة وتجاوز الحد الفاصل بين التفاصيل الحميمة لحياتهم من جهة، وما يطرح علناً عنهم من جهة أخرى، بالتأكيد لا يدخل ضمن مبدأ الحريات العامة، التى يتمتع بها كل فرد، ولن يكسبهم شعبية إضافية أو يجعلهم أقرب إلى المتلقى. أما الأكثر إثارة للدهشة أن معتادى كشف التفاصيل الحميمة هم أول من يتناول الإعلام بالهجوم حين يتطرق إلى حياتهم الخاصة، بعدما كانوا هم أول المبادرين إلى فتح الأبواب أمام هذا التدخل.. إذ يسعون إلى تعويض الفراغ الإبداعى بإثارة الاهتمام عن طريق أى وسيلة حتى إن كانت نتائجها ستأتى بردود فعل عكسية، تنعكس سلباً على أصحابها، خصوصاً أن الفوارق واضحة فى استغلال وسائل التواصل بهدف الترويج لنجومية حقيقية أو الانزلاق إلى لعبة إطلاق «فقاعات» إثارة مؤقتة.
مع كل إيجابيات ثورة تداول المعلومات التى أحدثتها وسائل التواصل.. يبقى أحد مظاهرها السلبية متمثلاً فى اختلال الفصل بين الخاص والمعلن فى حياة الشخصيات العامة.. وهى الفضيلة التى حكمت عالم الأجيال السابقة من المشاهير، وكانت جزءاً من البريق والإبداع الذى ميزه.