شخصياً، اقتفيت سابقاً أثر المنادين بوقف دعم مُصدّرى الحاصلات الزراعية، وتوجيه المبالغ التى تُصرَف لهم إلى المزارعين، كون المزارع هو منبع الخير، والأكثر كبداً.يومها، لم أكن قد دخلتُ بعد دائرة العلم بحقيقة التصدير، والاهتمام باقتصاديات الزراعة وهمومها، ولذا كانت السباحة وسط المتعاطفين مع الفلاح والمنتجين الزراعيين غاية نبيلة لتثمين جهودهم، وليست وسيلة مأجورة ضد المصدرين.وبقراءة واعية فى ملف اقتصاديات الزراعة، اتضح جلياً أن كلا الطرفين: المُزارع ومُصدّر الحاصلات الزراعية يستحقان الدعم، لأنهما خاسران فى حلبة واحدة، الحَكَم فيها ليس فنياً بالدرجة التى يستطيع بها تحديد الظالم والمظلوم، حتى لو أمسك بكل الأدوات الظاهرة التى تعينه على الفصل فى النتيجة، وذلك للآتى:المُنتِج الزراعى بكل درجاته يخسر منذ ثلاثة أعوام متتالية، ويُعنى بالدرجات هنا، كل فئات المزارعين، حجماً، ونوعاً.. مالكاً، ومستأجراً، مَن يزرع القمح والأرز والذرة والبصل، أو من يزرع البطاطس والموالح والفراولة، أى خضراوات وفواكه التصدير، ومن يزرع فداناً، أو من يزرع 100 فدان.كل منتجى الغذاء (نباتى أو حيوانى) يتساوون فى احتياجهم إلى الدعم بأنواعه أيضاً: العينى بمدخلات الإنتاج، والفنى بالإرشاد، واللوجيستى بالتسويق والحماية ضد الإغراق، وكله بهدف الحصول على مُنتَج غذائى ذى جودة عالية، بتكلفة منافسة، تحقق الربحية للمُزارع ومربى الدواجن والماشية، والرفاهية الاقتصادية للدولة.كل المصدرين الزراعيين يخسرون، ولا يعوضهم الدعم المعروف ببند «رد الأعباء»، وهو الذى كنا نحسدهم عليه، دون أن نعرف ما يتعرض له أبناء هذه الفئة من أهوال الوقوف فى طوابير جهات الرقابة والتفتيش، والتخوين و«التهبيش»، لتكون سلعتهم فى النهاية حجراً كبير الحجم ثقيل الوزن، يصعب رميه فى ميدان المنافسة السعرية فى الخارج، حتى لو تفوق فى الجودة على سلعة المنافسين من منتجى الدول الأخرى.جدول رد أعباء المصدرين المصريين فى جميع المجالات، يُظهِر العجب العُجاب، حيث تأتى الصادرات الزراعية فى ذيل القائمة من حيث المبالغ الدولارية التى تُصرَف لهم، على الرغم من أن سلعتهم هى التى تُترجِم بصدق حروف كلمة «صادر» ترجمة لغوية وفنية، كونها مُستَخرجة من أرض مصر، بأيادٍ مصرية، وبمدخلات إنتاج محلية بنسبة لا تقل أبداً عن 100٪.فالعمالة والأرض والمياه والأسمدة، وما يربط بينها من طاقة وهواء، كلها مصرية 100٪، أما باقى الصادرات، فتنتمى لقطاعات تعمل فى مجالات ذات أثمان مرتفعة، مثل: الأدوات الكهربائية والسجاد والأدوات المنزلية والسيراميك والأثاث، وكل خاماتها الأولية مستوردة، تُعاد مرة أخرى إلى دول إنتاجها، ليكون دعمها مُسخّراً لخدمة منتجى الخامات الأصليين فى بلدانهم، فى الوقت الذى تنهال على حاصلاتنا الزراعية رسوم وتكاليف ترفع أسعارها، لتصل إلى الأسواق الخارجية مرتفعة التكاليف، مقارنة بنظيرتها من الدول الأخرى.من هنا، تأتى أهمية دعم المزارعين والمصدرين معاً بصور ووسائل وأشكال عديدة للدعم، حيث يستحق الأول حافزاً مالياً على إنتاجية مستهدفة، شرط أن يكون الدعم على مخرجات الإنتاج، وليس على المدخلات، كما يستحق الثانى زيادة فى الدعم على حساب القطاعات التصديرية الأخرى، كون منتجاتها مجرد واردات يعاد تصديرها بعد تجميعها فى مصر.نهاية: حينما يتثاءب المُصدّر الزراعى ينكسر ظهر الفلاح، وتتجمد معه مفاصل قطاعات عديدة تخدم الزراعة وإنتاج الغذاء.