بكل تعقيداته المذهلة، يمكن للدماغ البشري أن ينتج تجارب عجيبة، ومنها نوع من الهلوسات يجعلهم يرون أقزاما صغارا يتحركون أمام أعينهم، وهي نوع من الهلوسات تسمى الهلوسة «الليليبوتية»، ونادرا ما تناولتها الأبحاث العلمية، إذ حاول عدد قليل من الباحثين اكتشاف سبب هذا الأمر الغريب.
ما الهلوسة «الليليبوتية»؟
في أوائل القرن العشرين، اهتم الطبيب النفسي الفرنسي راؤول ليروي بدراسة هذه الهلوسة التي كانت بالنسبة له لغزًا للعقل ويسعى جاهدا للحصول على تفسير علمي له، وكتب في مقدمة دراسته لحالة واحدة محددة: «تحدث هذه الهلوسة أحيانًا بمفردها، وأحيانًا تكون مصحوبة باضطرابات نفسية حسية أخرى»، بحسب موقع «ساينس ألليرت».
أجرى «ليروي» دراسات على مجموعة صغيرة من الحالات متنوعة لاحقا، ولاحظ أن المصابين بهذه الهلوسة يرون أشخاصا صغارا يرتدون ملابس ملونة ويتحركون كثيرا، وفي الغالب يكونون لطفاء وودودين من حين لآخر، كانت المشاهدات لأشكال فردية، ولكن معظم المرضى أفادوا بأنهم رأوا مجموعات من الأشخاص القصار يتفاعلون مع العالم المادي كما لو كانوا حاضرين بالفعل ويتسلقون الكراسي ويمرون من تحت الأبواب.
ما قد يراه البعض مجرد أوهام فسره «ليروي» على أنه أعراض محتملة للأمراض العقلية، تستحق التصنيف حتى يتمكن الأطباء من التوصل إلى طرق أفضل لتشخيص الحالة وحتى علاجها، وتأثرًا بعمل «ليروي» حاول عدد قليل من علماء النفس شرح هذه الظاهرة، ولكن اقتصرت الدراسات في الغالب على فرضيات غير قابلة للاختبار تتضمن الأعمال الغامضة للدماغ المتوسط أو نوعًا من الانحدار الفرويدي.
على الرغم من هذا الاهتمام، لا تعتبر هلوسة رؤية أقزام يتحركون معيارًا لأي أمراض في التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشكلات الصحية ذات الصلة، ويعتبرها البعض يبدو أنها نزوة عشوائية للدماغ.
ماذا نعرف عن الهلوسة «الليليبوتية» اليوم؟
على الرغم من عمل «ليروي» التاريخي والتقدم في فهم العديد من الحالات، من المدهش أنه لا يُعرف الكثير عن سبب قيام بعض الأدمغة بتكوين رؤى لأشخاص أقزام، في الآونة الأخيرة، سعى المؤرخ الطبي بجامعة ليدن والباحث في الاضطرابات الذهانية، جان ديرك بلوم، إلى تغيير ذلك من خلال إجراء بحث صارم في تقارير حالة هذه الهلوسة في المحفوظات الطبية الحديثة، وبعد بحث مكثف، نجح في الخروج بـ 26 ورقة بحثية فقط حول هذا النوع من الهلوسة التي يمكن اعتبارها ذات صلة.
تشير الحالات المدروسة إلى أن المصابين بهذه الهلوسة يرون أشخاصا أقزاما يرتدون ملابس ملونة ملفتة للنظر، في وضع يشبه سيرك نابض بالحياة من المهرجين الأقزام، ولكن عدد قليل أبلغوا عن أنهم شاهدوا ظلال باهتة من الرمادي أو البني، وجميع الشخصيات تقريبًا غرباء، مع وجود عدد قليل فقط من الوجوه المألوفة لدى المصابين، وخُمس الحالات كانت فيها الرؤى مصحوبة بهلاوس سمعية.
لم يكن البشر الكيانات الوحيدة التي تمت ملاحظتها أيضًا، في ما يقرب من ثلث التقارير، ادعى المرضى أنهم رأوا حيوانات مثل الدببة الصغيرة أو الخيول الصغيرة تجر عربات صغيرة، ومن المثير للاهتمام أيضًا ملاحظة أن ما يقرب من نصف الحالات تُركت متأثرة سلبًا بالخوف أو القلق.
وبالانتقال إلى تقارير التشخيصات السريرية، صنف بلوم 10 أسباب قد تؤدي لذلك، أبرزها الاضطراب النفسي والتسمم من الكحول أو الأدوية وآفات الجهاز العصبي المركزي.
تعليقات الفيسبوك