مع ارتفاع أسعار الدجاج الحى فى المزارع حالياً، ووصوله إلى المستهلك بسعر يتراوح بين 35 جنيهاً فى الريف، و38 فى الحضر، فوجئ المصريون بحادثين تزامنا فى أسبوع واحد، أولهما «ريان المغرب»، و«عم فتحى» مربى الدواجن الذى خسر 8 آلاف دجاجة «داجنة» بين عشية وصباح.
وبينما كانت كاميرات العالم ترصد بئر «ريان المغرب»، كان الملايين من متابعى «فيس بوك» يرصدون عنبر عم فتحى، حيث جلس الرجل القرفصاء، يكفكف دموع عينيه الدمويتين، ويقطف مخاطه بذيل جلبابه، وسط كومة دواجن ميتة تقدر بنحو 8 آلاف دجاجة، قيمتها نحو 350 ألف جنيه.
حالة «عم فتحى» كشفت سر ارتفاع أسعار الدواجن الحية، وهو ارتفاع نسبة نفوق بلغت نحو 70٪ فى عنابر صغار المربين الذين ينتجون نحو 70٪ من دواجن مصر، ما يعنى خسارة نحو 15 جنيهاً مقابل كل دجاجة مبيعة بعمر 35 - 40 يوماً.
النفوق المدمر لعنبر «عم فتحى»، ظهر فى الكثير من العنابر «المفتوحة»، وأسنده معظم المربين المتعاطفين إلى أمراض فيروسية، عجزت اللقاحات عن صدها، وأسندها البعض إلى «ميكوبلازما» أمهات، والحقيقة المرة التى سيرفضها معظم المربين، أن الميكوبلازما تحتاج إلى سلسلة طويلة من التحليلات لإثباتها مستندياً، وأن اللقاحات البيطرية بريئة منها إلا إذا كان المربى قد أخذها من مصدر غير موثوق، أو لم يستخدم الطرق الصحيحة للتحصين بها، وهو علم وفن وخبرة.
وجهة النظر الخبيرة تؤكد أن الخسائر الفادحة ترجع إلى عدم الالتزام بتطبيق مسلّمات هذه الصناعة، وأهمها: ترك دورة الشتاء للشركات التى تملك عنابر مغلقة متطورة، أو عدم الاجتراء على دخول من لا مهنة له، فيضيف إلى العشوائية كوخاً جديداً، يضر به نفسه وجاره ومجتمعه، وذلك تفسيره كما يلى:
أغلب الظن أن «عم فتحى» أغلق جميع منافذ العنبر «المفتوح» ليضمن الدفء للقطيع، مع توفير نفقات أسطوانات الغاز، فى ليلة النكبة التى سجلت البرودة فيها 4 درجات، ونسى الرجل بند التهوية، لترتفع درجة حرارة العنبر بفعل الحرارة المنبعثة من جسم الطائر والناتجة عن طاقة العلف، ومعها حدث الاحتباس الحرارى الذى أعقبه لهاث وزفير، فارتفعت نسبة ثانى أكسيد الكربون، ومعها نسبة الأمونيا الآتية من الفضلات، ليحدث الاختناق الجماعى، الذى لا تحدثه سوى إنفلونزا الطيور.
كثيرٌ من المربين ليسوا خبراء بفنون التحصين، فربما يكون العنبر المفتوح قد أصابه فيروس من النوع المثبط للمناعة، ليكون اللقاح قاتلاً بعد حقنه فى جسد خال من المناعة، ثم نكيل الاتهامات للقاحات ومزارع الأمهات (التى لا أبرئها هنا)، وهذه المعلومة تتوافر لدى الشركات والمربين الخبراء. ومع تنديد المتعاطفين مع «عم فتحى» بوزير الزراعة ورئيس اتحاد منتجى الدواجن، والمطالبة بإقالتهما، يجب أن نقرأ الوجه الآخر للمأساة: هل التزم الرجل المكلوم بقواعد هذه المهنة، أم دخلها من باب مزاحمة العشوائيين، وما أكثرهم؟
ومع احتساب «عم فتحى» مذنباً وليس ضحية وفقاً لقانون المهنة، كونه يخالف كل أصول الأمن الحيوى، فإن أكثر من 20 ألف مُربٍ مثله فى مصر، لا تشملهم مظلة اتحاد منتجى الدواجن كونهم «ليسوا أعضاء»، ومع ذلك، كان احتضان حالة «ترينداوية» مثله، كفيلاً بإشهار مزايا الاتحاد بدرجة لم يحققها منذ تأسيسه بالقرار 96 لسنة 1998، ولو على سبيل الدعاية.