لم يكتفِ المتطرفون بما أصابهم من هوس التحريم، وزاد طينهم بلة خلال السنوات الأخيرة ما أصابهم أيضاً من هوس «التريند» الذى أصبح أحد أهم وأسرع أبواب الشهرة لأى شخص ليس لديه أى فكر أو قيمة، لكنه فقط يملك القدرة على صنع التفاهة أو الترويج لكل ما هو شاذ أو غريب أو متطرف، وبناءً على ذلك يجنى الأموال دون أدنى تعب أو مشقة.
وبالمناسبة فإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف رصد تلك الحالة، حيث أصدر فى شهر ديسمبر الماضى فيديو تحت عنوان «هوس التريند»، ووصف خلاله تلك الظاهرة بأنها باتت تمثل عبئاً على قيم المجتمع ووحدته.
وخلال الشهر الماضى كان «التريند» المتصدر هو كرة القدم، بمناسبة مشاركة منتخبنا الوطنى فى بطولة كأس الأمم الأفريقية، كانت الفرصة متاحة لركوب «التريند» بتكرار فتواهم بتحريم الكرة لعباً ومشاهدة، فالرياضة لديهم هى فقط السباحة والرماية وركوب الخيل، ولأنهم «حافظين ومش فاهمين» انغلقت عقولهم ولم تستوعب وجود رياضات أخرى على كوكب الأرض، وانتهت البطولة ودخلنا على عيد الحب، ومن أجل «التريند» حرّموا الاحتفال به، فهو لديهم بدعة، لأنه من ابتكار غير المسلمين، وهذا من باب التشبّه بالكفار، وأنه ليس لدينا إلا عيدان فقط هما الفطر والأضحى، وطبعاً حرموا تبادل الهدايا خاصة الدباديب!، وفى عيد الحب تحديداً يركبهم الهوس الجنسى أيضاً، فهم يتصورون الحب هو فقط بين شاب وشابة وثالثهما الشيطان، وخيالاتهم لا ترتقى لاستيعاب فكرة الحب بين الزوج وزوجته، أو الأب وأبنائه، أو الأخ وإخوته، وللأسف فقد زاحم المتطرفين هذا العام داعية شهير يروج لنفسه بأنه من المعتدلين ومن المتحمسين لتجديد الخطاب الدينى، وسعياً وراء «التريند»، قال ذلك الداعية: حب إيه اللى عاملين له عيد، وناشد الأمة الإسلامية كلها، وعلى الأقل مصرنا العزيزة -كما قال- إلغاء عيد الحب، ولأننى لا أريد أن أساعد الرجل فى مبتغاه لركوب «التريند» فلم أذكر اسمه.
تتعدد «التريندات»، وتتعدّد معها الفتاوى، حتى إننى تخيلت أن هؤلاء المتأسلمين اقتبسوا شعار «شىء لزوم الشىء»، من الفنان الكبير الراحل نجيب الريحانى فى فيلم «أبوحلموس»، وحولوه إلى -فتوى لزوم «التريند»- ومن الآن أتوقع أن يسارعوا قبل حلول شهر رمضان بعدة أيام لركوب «التريند» بتجديد فتاوى التحريم الشاذة التى أطلقوها من قبل، مثل تحريم إمساكية رمضان، باعتبارها «بدعة منكرة»، وتحريم إشعال البخور فى نهار رمضان، لأن له رذاذاً إذا استنشقه الإنسان فإنه يفطر، وفاتهم هنا إصدار فتوى حول مدى مشروعية استنشاق دخان الطبخ خلال ساعات الصوم، وسيطلقون فتوى تحريم خروج النساء فى نهار رمضان -وهى للعلم فتوى داعشية تبناها بعض السلفيين- بدعوى أن النساء الصائمات عند الخروج من منازلهن فى نهار رمضان قد يبطلن صيام من يراهن، ولاحظ أنهم لم يقتربوا من بعيد أو قريب، تصريحاً أو تلميحاً ممن ينظرون إلى النساء فى نهار رمضان، ولا تندهش عزيزى القارئ إذا خرجوا عليك بفتوى تحريم أكل السمبوسة، بزعم أنها تشبه الثالوث المقدس المسيحى، فهى فتوى قديمة أطلقوها قبل سنوات.. فقط سيخرجونها مجدداً لركوب «التريند».
المدهش أن كل تلك الفتاوى الشاذة لم تتفق مع طبيعة المصريين، ويتندرون بها من باب الفكاهة، يسمعونها ويشاهدون الكرة، ويحتفلون بعيد الحب، ويأكلون السمبوسة.