لم تعرف البشرية قبل الإسلام ديانة للناس كافة، فكانت جميع النبوات قبله إلى أعراق وقبائل، منهم وإليهم يبعث النبى برسالة محدودة مقصورة على قومه.. يروى القرآن المجيد عن هذه النبوات التى كانت محدودة بهذه الأعراق والأقوام «لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ».. (الأعراف / 59).. «وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ».. (الأعراف / 65).. «وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ».. (الأعراف / 73).. «وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ».. (الأعراف / 80).. «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً».. (الأعراف / 85).. «ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ».. (الأعراف / 103).. وإلى بنى إسرائيل كانت نبوة موسى عليه السلام والأنبياء من بعده.. والرب يسمونه عندهم إله إسرائيل، ويخصون بالذكر من أبناء إبراهيم عليه السلام ذرية يعقوب ابن إسحق دون سائر العبريين.. وفى سفر الأيام من العهد القديم.. «مبارك الرب إله إسرائيل من الأزل إلى الأبد..».
أما النبوة المحمدية فنبوة للعالمين.. للدنيا بأسرها.. نبوة شاملة للبشر جميعاً وللناس كافة.. وفى القرآن الكريم أكثر من سبعين موضعاً يذكر فيها الله سبحانه وتعالى باسم رب العالمين.. ومحمد عليه السلام رسول من رب العالمين إلى جميع خلقه.. إلى كل بنى الإنسان من عرب وعجم.. من بيض وسود من أغنياء وفقراء.. من أقوياء وضعفاء.. من سادة ومستعبدين.. لا فضل لعربى على عجمى، ولا لأبيض على أسود ولا لقرشى على حبشى إلا بالتقوى والعمل الصالح..
فبعد أن كانت النبوات لأقوام بأعينهم، يبعث سبحانه وتعالى لكل قرية رسولاً ينذرهم ويبشرهم.. إذ بالرسالة المحمدية رسالة للعالمين.. بها بعث الله تعالى محمداً عليه الصلاة والسلام فى «أم القرى».. مكة المكرمة، لا للمكيين وحدهم، ولا للقرشيين دون سواهم، ولا لأهل الجزيرة العربية خاصة.. وإنما للعالمين.. «تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً».. (الفرقان /1).. «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً».. (سبأ / 28).. «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً».. (الأعراف /158).. «هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه» .. (التوبة /33).
ولأن الدعوة الإسلامية «دعوة عالمية»، فإنها شملت فى حناياها ما أتت به الرسالات التى قبلها.. فلم تدر لها ظهرها، ولم تعادها بل وحضت على الإيمان بالرسل كافة، ونبهت إلى وحدة الرسالات الإلهية، وإلى اكتمالها بالإسلام «الدعوة الخاتمة».. «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» (النحل 43 - 44).. فى الإسلام، إن رقى الإنسان الروحى والخلقى والاجتماعى والسلوكى هو الحكمة الإلهية من الرسالات التى تعاقبت على بنى البشر أمة بعد أمة وجيلاً بعد جيل.. كلها ذات هدف واحد هو توجيه الإنسان إلى طريق الكمال.. أصول الرسالات والعقائد واحدة من خلال منظومة ختمت بالإسلام.. «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً».. (المائدة /3).
من عالمية الإسلام. المنزلة السامقة التى أقرها لجميع الرسل والأنبياء قبل الرسالة المحمدية، احتفى بهم ووقرهم وباركهم ونوه بنبواتهم ورسالتهم، وبلغ من احتفاء القرآن المجيد بهم أن سوراً كاملة فيه قد حملت أسماء لهؤلاء الرسل والأنبياء.. مثل سورة: الأنبياء، القلم، ويونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، ونوح، ولم يتحدث القرآن الحكيم عن الأنبياء السابقين، إلاّ بكل توقير وتكريم.. «إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ» (النساء /163).. «لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» (الأعراف/ 59).. «فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِى الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ» (الأعراف 64).. «إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ» (آل عمران 33).. «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (الشورى/13).. «سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَالَمِينَ» (الصافات /79).
يمضى القرآن الكريم فيروى كيف كانت رعايته سبحانه وتعالى لنبيه هود، وقد حمل دعوة التوحيد إلى قومه عاد: «فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ».. (الأعراف/ 72)، وكذلك رعايته سبحانه وتعالى لنبيه صالح الذى حمل دعوة الهداية والتوحيد إلى قومه ثمود «وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ» .. (الأعراف 73 - 74)، بيد أن قومه استكبروا واستكثروا على صالح أن يكون نبياً مرسلاً من ربه، ومضوا فى غيهم. «فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ».. (الأعراف 77 - 79).. يصف القرآن المجيد كيف نجا الله نبيه صالحاً والذين آمنوا معه فيقول.. «فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ برحمة منا».. (هود/ 66).